اقتصاد الميادين... الوجه الآخر للنزوح

الميادين... المدينة الصغيرة التي تفصل بينها وبين دير الزور (مركز المحافظة) 45 كيلومتراً فقط، كانت مركزاً تجارياً لأهالي الريف القريب منها. تغيّر هذا الحال كثيراً بعد الثورة، فتحوّلت إلى مركزٍ تجاريٍّ يعدّ الأكبر في المحافظة، بفعل عوامل عدّة.

لتسليط الضوء على أهمّ تلك العوامل التقت "عين المدينة" بالسيد مرهف قاسم الناصر، وهو من أهالي منطقة الميادين، الذي قال: أوّل تلك العوامل وأهمّها الحال الذي آلت إليه دير الزور المدينة وانقسامها إلى قسمين؛ قسمٌ تحت سيطرة النظام، وآخر تحت سيطرة المعارضة، مما جعل حركة رؤوس الأموال فيها بطيئةً جداً وخطرة، فكان لا بدّ من أن يتمّ تحويلها إلى منطقةٍ أخرى في المحافظة قادرةٍ على لعب دور المركز، فكانت الميادين المدينة الأنسب لأسباب عدّةٍ أولها قربها من مدينة دير الزور، وثانيها الأمان النسبيّ الذي تتمتع به. كما أن هناك عاملان آخران أثرا في اقتصاد المدينة؛ يتمثل العامل الأول في الطفرة النفطية التي شهدتها المدينة، وما أنتجته من أموال، ويتمثل الثاني في قدوم آلاف النازحين من دير الزور، وقسمٌ كبيرٌ منهم من أصحاب الأموال الذين نقلوا تجارتهم ومصالحهم إلى الميادين. وهناك عاملٌ آخر، ولكنه يعدّ ثانوياً أمام العاملين السابقين، وهو المال الإغاثي الذي يصل إلى الجمعيات الخيرية والإغاثية بشكلٍ غير منتظم.
وعن العامل المتمثل بالآثار التي خلفها النزوح على البنية الاقتصادية في هذه المدينة، التي استقطبت خلال العامين الأخيرين الآلاف من أبناء دير الزور، وخاصةً بعد الاضطرابات في محافظتي الرقة والحسكة، اللتين احتضنتا العدد الأكبر من أهالي المحافظة أول نزوحهم عنها؛ التقينا بالسيد مصعب رضوان الفارس، أحد أصحاب المحلات في الميادين، الذي قال: "شكّل النزوح حالةً من الضغط الاقتصاديّ على المدينة وأهلها مدّةً من الزمن، وخلق أزماتٍ عديدةً ربما تجلت بشكلٍ واضحٍ في أزمة السكن، مما أدّى إلى ارتفاع الإيجارات من 5 آلاف ليرة وسطياً إلى 20 ألف ليرة، وارتفاعٍ في أسعار العديد من المواد الأولية، بالإضافة إلى أزمةٍ في فرص العمل بسبب المنافسة الحاصلة بين أبناء المدينة والنازحين، وكذلك في جانب الخدمات العامة في المدينة. هذا ما يمكن أن نسمّيه بالتأثير الأوليّ للنزوح، إلا أنه بدأ ينعكس بشكلٍ إيجابيّ على المدينة واقتصادها شيئاً فشيئاً، إذ أخذت تتحوّل من سوقٍ ريفيٍّ بسيطٍ، يرتاده أبناء القرى القريبة لشراء حاجاتهم الأساسية، إلى سوقٍ بدأت تظهر فيه بوضوحٍ بوادر الميل نحو الاستهلاك، وخاصة في الملابس النسائية والملابس الجاهزة عموماً، فقد شهدت هذه التجارة اتساعاً كبيراً لم تعهده المدينة من قبل. كما أن العديد من أبناء دير الزور الذين كانوا يملكون محلاتٍ تعمل في هذا النوع من البضائع نقلوا تجارتهم من مدينتهم إلى الميادين، أو إلى الحسكة والرقة ولاحقاً إلى الميادين.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد المدينة تطوراً كبيراً فيما يتعلق بالأطعمة، وخاصةً مطاعم الوجبات السريعة. فقد ازداد بشكلٍ واضحٍ جداً عدد المطاعم الجديدة في مدينة الميادين، وغالبية العاملين فيها هم من أبناء دير الزور النازحين. وتشهد هذه المطاعم إقبالاً كبيراً من قبل أهالي المدينة والوافدين على حدٍّ سواء. وما ينطبق على الملابس والمطاعم من زيادةٍ ملحوظةٍ ينطبق على قطاعاتٍ أخرى كثيرةٍ بدأ الناس يستثمرون فيها بشكلٍ واضح، مثل محلات الاتصالات والأدوات الالكترونية، وكذلك محلات الصرافة وتحويل الأموال، التي انتشرت بشكلٍ كبيرٍ جداً، ويتمّ من خلالها تحويل مبالغ هائلةٍ يومياً من وإلى دير الزور... وغيرها الكثير.