- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
استجداء المأوىالنازحون الجدد من دير الزور
ما زال في محافظة دير الزور مئات الآلاف من سكانها، بالإضافة إلى الوافدين إليها. وتشكل الحرب الأخيرة على تنظيم الدولة الإسلامية، بالنسبة إلى هؤلاء، انهياراً لمأواهم المألوف، ليتناثر الهاربون منهم في كل الجهات، مع الأخذ في الاعتبار الخوف من انتقام الأطراف المهاجمة من الأهالي لأنهم عاشوا في ظل التنظيم. ورغم أن الابتعاد عن أرضهم سيكون الخطوة الأولى للنجاة، إلا أنه سيكون كذلك الخطوة الأولى في رحلة المعاناة للبحث عن مأوى جديد في عالم تغيّر كثيراً.
يختلف العاملون في المجال العام في تقديراتهم لعدد سكان دير الزور الآن، فبينما لا يتجاوز البعض النصف مليون بكثير، يجعلهم البعض الآخر أكثر من مليون. على أن العدد ضخم بأي حال رغم نزيفه المستمر، منذ سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة، بدفقات تتزايد وتقل بحسب الظروف، لكنها لم تصل سابقاً إلى الحد الذي وصلت إليه. ويختلف تعامل التنظيم مع هذا النزيف البشري باختلاف القادة، إلا أنه يكتفي عادة بسجن من يمسك بهم في طريق هروبهم لأيام، بحسب ناجين تروي غالبيتهم قصص هروبهم بدهشة من خاض المغامرة لأول مرة.
يتقاضى المهربون مبالغ كبيرة قد تصل إلى 600 ألف ليرة سورية (حوالي 1200 $) عن كل شخص. لكن الأسعار في انخفاض مستمر لعدم تمكن التنظيم من ضبط حدود سيطرته من جهة، ولازدياد عمليات الهروب من جهة أخرى، فلا يعدم أن ينجو هارب لقاء عشرة آلاف ليرة. ويعدّ من يصل إلى أراضي قسد بسيارة من المحظوظين، رغم أن المهرب يقلّ فيها أكثر من مائة شخص، كما يروي شاب من العشارة سقط خمسة من أصدقائه على الطريق في غمرة السرعة الجنونية للسائق الخائف الذي لم يقبل التوقف لانتشالهم.
تملك المخيمات التي أقامتها «قوات سوريا الديمقراطية» في الرقة، أو الإدارة الذاتية في الحسكة، سمعة سيئة، وقد تحولت إلى ما يشبه المعتقلات، ولذلك يدفع الهاربون أموالاً إضافية لمغادرتها. ويعدّ مخيم المبروكة الأسوأ، وتتلقى إدارته، أو الدكتور خليل (ممرض من دير الزور)، 400 دولار لمنح أوراق صحية يخرج بموجبها النزيل إلى مناطق درع الفرات، بحسب عائلات وصلت إلى هناك منذ أيام، يفيد أحد أربابها أنهم سمحوا لهم بالخروج بعد مظاهرة نظموها عند قدوم وفد تابع لليونيسيف منذ أسبوعين.
وبالفعل زاد تدفق النازحين الديريين أخيراً من المخيمات باتجاه الباب وجرابلس والراعي، ثم أعزاز حيث مفترق طرق الكثيرين. تكرر سيدة من دير الزور، تقيم في نزل مجاني للوافدين في أعزاز، أنها لا تريد أن تبتعد أكثر عن بيتها، لكنها تسأل كذلك عن العيش في إدلب واجتياز الحدود إلى تركيا. أساساً تضيق تلك المدن الصغيرة بسكانها، وأدى ارتفاع الطلب وندرة العرض إلى ارتفاع غير مسبوق في الإيجارات، فتجاوزت المائتي دولار شهرياً مع اشتراط الدفع لثلاثة أشهر بالحد الأدنى. وفي حمى البحث عن بيت يزداد نزلاء الفنادق من الذين تقطعت بهم السبل، والتي وصل عددها إلى 110 فنادق، ولكنه انخفض مؤخراً إلى 56 بعد اشتراط الأجهزة المختصة في أعزاز حداً أدنى من الجودة والسمعة.
لا يستطيع قسم من النازحين دفع تكاليف الإقامة في فندق، إذ تتراوح تكلفة الليلة الواحدة فيه بين 4-10 آلاف ليرة للشخص، عدا رسوم استعمال المرافق، فيلجأ بعضهم إلى الأقارب في المخيمات أملاً في إقامة طويلة أو قصيرة، ويتبرع المقيمون السابقون بلوازم مبيتهم. على أن الإقامة الطويلة تحتاج إلى شراء خيمة يصل سعرها إلى 600 ألف ليرة. وبحسب موظفين في مخيم سجو، تعود الخيام عادة لمقاتلين في الفصائل أو أحد أقربائهم، وقد سجلوا عليها في وقت سابق، ويتم البيع بعيداً عن الإدارة التي تكتفي بتبديل الأسماء بين البائع والمشتري. لكن ارتفاع أسعار الخيام يدفع النازحين إلى اتخاذ العراء مأوى أو المتابعة باتجاه إدلب.
بسعادة يشرح أبو محمد، من دير الزور، كيف اشترى خيمة (سبعة بأربعة) بـ400 دولار، ويوضح أن السعر للأرض ولحصة الإغاثة الشهرية وليس للشادر، إذ شيّد بدلاً عنه داراً صغيرة لإيواء أبنائه وأولادهم، وكذلك الضيوف النازحين.