أعمالٌ ومهنٌ منقرضةٌ
تظهر من جديدٍ في دير الـزور
وأنت تتنقّل في الأسواق السورية، بات مألوفاً أن تشاهد محلاً يبيع البوابير بأنواعها، وآخر يعرض قناديل أو لمبات الكاز، بعد شبه انقطاعٍ دام حوالي العقدين. وبضائع أخرى قد لا تكون انقرضت في السنوات الماضية، بقدر ما أن استخدامها أصبح أوسع بكثيرٍ الآن، كمدافئ الحطب أو الطواحين الجوّالة (الجاروشات).
أبو غازي يصلح البوابير أيضاً
في استفسارٍ وجّهته "عين المدينة" لأحد أصحاب محلات تصليح المدافئ عن سبب وجود بوابير معطلةٍ لديه بهذه الكثرة؛ قال: زاد استخدام البوابير كبديلٍ عن استخدام الغاز للطبخ، خصوصاً بعد أزمة الغاز منذ عدة أشهر، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع سعر الأسطوانة الواحدة منه إلى ما يقارب 3000 ل. س في السوق السوداء.
ويكمل أبو غازي حديثه: أما عن كثرة الأعطال فسببها هو أن هذه البوابير يتم تصنيعها في ورشاتٍ محليةٍ بدائية، بسبب ظروف الحرب التي حالت دون شحنها من دمشق وحلب، التي أغلقت فيها الكثير من المصانع أصلاً.
وعن توافر وقود هذه البوابير يقول أبو غازي: أسهم تكرير البترول باستخدام الحرّاقات، المنتشرة بكثرةٍ في ريف دير الزور، في ضخّ الكاز في الأسواق، وبأسعارٍ ليست رخيصةً ولكنها تبقى أقل بكثيرٍ من أسعار أسطوانات الغاز. كما أن بعض الصنّاع المحليين ابتكر "فالةً" جديدةً للطبّاخ تسمح باستخدام المازوت بدلاً من الكاز، ولكن التجربة أثبتت أن الطبّاخات التي تعمل بالمازوت خطرةٌ وغير عملية.
من جديدٍ.. قناديل ولمبات الكاز تضيء الأماسي
وفي أحد محلات الجملة كانت لنا فرصة اللقاء بالتاجر فياض نزهان الأحمد، الذي شرح لنا أسباب عودة قناديل ولمبات الكاز بقوله: عانى الناس من الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، الأمر الذي جعل من مصادر الإضاءة التي تعمل على البطاريات، كالشواحن، غير مجدية، مما دفع بشرائح واسعةٍ إلى العودة إلى القناديل واللمبات التي تعمل على الكاز، بعد أن تحولت هذه السلع في السنوات التي سبقت إلى ما يشبه التحف في بعض المنازل!
مدافئ الحطــب لأشهر الشتـــاء القاسية
ومن السلع التي علا نجمها أيضاً مدافئ الحطب. ويعلل ذلك أبو علي، وهو ممن يستعمل "صوبة" الحطب في منزله منذ سنتين، بالغلاء الشديد الذي شهدته أسعار الوقود، وخصوصاً المازوت الذي تجاوز 175 ل. س الشتاء الماضي، الأمر الذي جعل من استخدامه كوقودٍ أمراً غير اقتصاديٍّ للسواد الأعظم، فازدهرت عمليات الاحتطاب غير المشروع. وعزّز غياب الرقابة هذه المهنة العائدة بقوةٍ هي الأخرى، فراحت محالٌّ كثيرةٌ تبيع الحطب. وقد قال لنا الحاج مشعان الجاسم، وهو أحد العاملين ببيع الحطب: نحن مضطرّون إلى بيع الأخشاب لأننا بدون عملٍ حالياً، فزراعة الأرض باتت غير مجديةٍ غالباً، إن لم تكن خاسرة.
وعند سؤاله عن عدم قانونية بيع أخشابٍ مصدرها الأشجار الحراجيّة، وهي أملاكٌ عامة، أجاب بطريقةٍ مواربة: أنا لا أقوم بالاحتطاب. فالأخشاب تأتي إلى السوق ويتم بيعها للتجار، سواءً عملت بهذه المهنة أم لا. ثم إن تأمين الحطب للناس أمرٌ حسنٌ يحتاجه الأهالي حالياً، ولا بدّ من القيام به.
طواحين الحبوب الجوّالة
ازداد الطلب على جاروشة الحبوب في الآونة الأخيرة أيضاً. يقول باسم العكلة، وهو مالك إحدى طواحين الحبوب هذه: صار الضغط علينا كبيراً، إذ قد يمتدّ عملنا إلى 12 ساعة يومياً. وسبب ذلك هو الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، الذي أثر على عمل الطواحين الكهربائية الضخمة، التي لم تعد تستطيع أن تعمل بنفس ساعات عملها السابقة، حتى لو اعتمدت على مولدات الكهرباء.
فهل تجعل هذه السلع والمهن ممن يبيعها أو يزاولها ممن ينطبق عليهم قول الشاعر "مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد"، أم أنها جاءت لرأب صدعٍ كبيرٍ أصاب الأسواق نتيجة ما تمرّ به البلاد من مخاضٍ عسير؟