60 حاجزاً لتجويع حمص

حمص المحاصرة

 60 حاجزاً لتجويع حمص: 

نزوحٌ مفخّخٌ بعد قطع شـريان الإغاثة

 

ما تزال أحياء مدينة حمص القديمة تعاني من حصارٍ خانق، إذ يمارس النظام هناك تجويع أكثر من ٥٠٠ عائلةٍ تعيش في أوضاعٍ إنسانيةٍ مزريةٍ للغاية. وقد أكد ناشطون مؤخراً وفاة أكثر من 15 مدنياً جرّاء الجوع والمرض والبرد.

    وبسبب الطوق الأمنيّ الجائر الذي تفرضه قوات النظام على هذه الأحياء منذ أكثر من 14 شهراً، فإن الأغذية لم تكن تصل إلا عن طريق بعض الأنفاق تحت الأرض، التي يمرّر من خلالها بعض الناشطين الذين يعملون في الإغاثة القليل من المؤونة التي كان ينجدهم بها حي الوعر، الذي أصبح محاصراً بدوره، وهو يؤوي أكثر من 400 ألف نازح، بالإضافة إلى 200 ألف مدنيٍّ من سكانه الأصليين.

 

قطع الشريان

ويقول الناشط أحمد يوسف: "يعيش الأهالي في وضعٍ مأساويٍّ للغاية في أحياء (باب هود، الحميدية، بستان الديوان، باب التركمان، باب الدريب، الورشة، جورة الشياح)، حيث لا يجدون ما يأكلونه سوى ما بقي من البرغل والطحين، ولا تصلهم أية إعاناتٍ من خارج أسوار المدينة. والأوضاع زادت سوءاً بعد حصار حي الوعر الذي بات شبه منكوب. ويقوم النظام بقصفٍ همجيٍّ وعشوائيٍّ بشكلٍ يوميٍّ ليقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من المدنيين".
لا يهادن النظام ولا يرحم من يقوم بإغاثة الأهالي في حمص المحاصرة بالملابس الشتوية والطعام، فبعد أن فجّر جميع الأنفاق التي كانت تورّد بعض الأغذية إلى داخل أسوار المدينة القديمة، قام بتشديد الحراسة وفرض طوقٍ أمنيٍّ يمنع مرور أية إغاثة، بهدف تجويع الأهالي. وقد عثر الناشطون مؤخراً على جثث أربعة مدنيين قنصهم النظام أثناء محاولتهم التسلل إلى حي الحميدية المحاصر، وكانوا يحملون بعض المؤونة لأهلهم في الداخل.

 

ألاعيب النظام الطائفيّة

حاول النظام مؤخراً استدراج بعض العائلات المسيحية المحاصرة في المدينة القديمة لفك الارتباط في المصير عن إخوانهم "السنة"، فقد أرسل عدة بياناتٍ "أمنية" تدعوهم فيها إلى الخروج الآمن من تلك الأحياء، بحماية وإشراف "الشبيحة" أو منتسبيهم "اللجان الشعبية". إلا أن تلك العائلات لم تستجب لتلك الدعوات الملغومة، ورفضت فكرة الخروج، رابطين مصيرهم بمصير كل العائلات المحاصرة، وقد أصدروا عدة بياناتٍ تؤكد رفضهم للإذعان لشروط النظام بخروجٍ آمن.يقـــــول ماجد، وهو مسيـــــحيٌّ من أهالي حي بستان الديوان المحاصر: "النظام  يراوغ لاستدراجنا لأنه يخشى غضب المجتمع الدولي إذا وقع ضحايا من المسيحيين في حال قامت قوّاته باجتياح المدينة القديمة، لذلك هو يســــتدرجنا للنزوح من تلك الأحياء  ليقصفها على مزاجه، ثم يظهرنا على شاشات تلفزيونه الرسمي لنقول مجبرين إننا كنا رهائن للعصابات المسلحة، ويجبرنا أن نقول إن الأحياء القديمة لا يوجد فيها سوى المسلحون والإرهابيون".

 

طوق الموت والابتزاز

يطوّق أحياء حمص أكثر من 60 حاجزاً عســـكرياً، بحسب إحصـــاءات ناشطين. وتستــبيح تلك الحواجز قتل المدنييــن على الهوية. يقول أبو بلال، وهو شيخٌ نزح من حــــي باب السبــاع: "كلّ أهل حمص مطلوبـــون للأمـــــن.
وإذا حاول أحــدٌ الخــروج فسيــقتلونه على الفور، بعد أن يشتموا دينه وعرضه. ورشوة العساكر هي المخرج الوحيد الذي قد ينجي الخارج من تعرّضه للتصفية الجسدية".
تعجّ حواجز النظام العسكرية والأمنية، التي تقطع أوصال المدينة، بترسانةٍ هائلةٍ من السلاح بأنواعه، الثقيل كالدبابات والمدافع والعربات المصفحة. وتمارس القصف اليومي والممنهج على الأحياء القديمة، وأحياناً تقصف عشوائياً أحياءً أخرى تؤوي عشرات الآلاف من النازحين، مثل كرم الشامي والمحطة، لترهيبهم وإجبارهم على النزوح خارج المدينة. وتمارس الحواجز طقوسها في جني الأموال عن طريق ابتزاز الرجال الذين يصحبون معهم نساءهم وأطفالهم، فيهدّدونهم  بالاعتقال والاغتصاب إن لم يدفعوا أتاواتٍ لرئيس الحاجز.
ويقوم كثيرٌ من أهالي الأحياء الموالية للنظام (عكرمة، النزهة، والزهراء، وادي الذهب) بتقديم الدعم اللوجستي وإرسال أبنائهم الشباب للخدمة والحراسة ودعم تلك الحواجز التي تعاني من نقصٍ في العناصر، تحت شعار "الأسد أو نحرق البلد"، ومقابل جني أموالٍ طائلةٍ من خلال طقوس الإرهاب التي يمارسونها بحق سكان حمص الأصليين.

 

وللتبغ قصته!

بدأت القصة عندما تواصل أحد المحاصرين مع ضابطٍ من معارفه يقاتل على إحدى الجبهات لدى عصابات الأسد. وأثناء الحديث طلب المحاصر من الضابط كميةً من الدخان الذي صار نادراً في المدينة، مقابل مبلغٍ من المال، فاتفقا على موعدٍ وتمّ الأمر بنجاح. وتكرّرت العملية عدة مراتٍ فأصاب الضابط الطمع وصار يرفع السعر إلى أرقامٍ خيالية، ولكن المحاصرين كانوا يضطرون إلى دفعها.
حتى كانت مرّةٌ تمّ  فيها دفع مبلغ 8 مليون ليرةٍ سوريةٍ من قبل المجلس العسكري في حمص المحاصرة، كدفعةٍ أولية، مقابل إدخال بعض التبغ وحليب الأطفال وبعض المعلبات. ولكن المفاجأة كانت أن التبغ والمعلبات والحليب مسمّمةٌ بمادة الزرنيخ القاتل، مما اضطرّ المجلس إلى إتلافها.
وقدّر البعض أن مبلغاً يتراوح بين 55 إلى 60 مليون ليرة كان قد أنفق على دفعاتٍ خلال مدّةٍ لا تتجاوز الشهر، ثمناً لكروزات السجائر والدخان العربي، الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى مليون ومئتي ألف ليرة!!! مما اضطرّ القائمين على أمور المحاصرين إلى تحديد حصّة المقاتل المدخّن بغرامين فقط من التبغ أسبوعياً!!!!