أطفال التعفير في إدلب .. سباق لالتقاط بقايا المحاصيل ومغامرات خطيرة

بعدسة الكاتبة

بعد أن عمل بعض اﻷطفال النازحين في التقاط بقايا محصول الزيتون وشجر التين في الأعوام السابقة واستفادوا منها، اكتشفوا محاصيل أخرى يمكن أن يعفّروها ويستفيدوا منها مالياً أيضاً، كمحصول حبة البركة والكمون والبطاطس واليانسون، ومحصولات أخرى أغلى ثمناً كالزعفران والمحلب.

 بكل نشاط يستيقظ علاء (14 عاماً) ويوقظ أخاه الأصغر في الصباح الباكر، ليذهبا معاً من أجل تعفير أراضي مزروعة بحبة البركة تقع بين كللي ومعرة مصرين شمال مدينة إدلب، وخاصة تلك القريبة من مكان سكنهم في مخيم الكازية، وعن كيفية التعفير يشرح علاء: "بعد أن ينتهي أصحاب الأرض من جني محصولهم الزراعي، نذهب أنا وإخوتي مباشرة -وقبل أن يؤجر مالك الأرض أرضه للغنامين- لنجمع ما بقي وراءهم من ثمار قد نسوها أو أهملوا قطافها".

بالرغم أن العمل يبدو سهلاً ولا يتطلب منهم سوى قطف المحصول، لكن هناك صعوبات عديدة تواجه علاء، أهمها وجوب إسراعه في العمل قبل أن يبيع صاحب الأرض حصيد أرضه لغنام يبحث عن طعام لأغنامه، وهو عادة ما يكون من مربي الأغنام في المنطقة. يقول علاء: "لطالما طردني راعي الأغنام من الأراضي الزراعية التي كنت أنوي تعفير ما بقي بها من محصول، دون أن أعرف أنه استأجرها من صاحب الأرض" ويضيف: "بالمقابل هناك أناس من الغنامة يسمحون لي بالقطاف، بالرغم من أنهم دفعوا ثمن الحصيد من أجل أغنامهم".

كثيرون (غالبيتهم من الأطفال) اتخذوا هذا العمل مصدر دخل لهم، خاصة في ظل الحرب والنزوح وقلة فرص العمل، وهناك عدة أمور تدعو علاء لهذا العمل بحسب قوله، أهمها مرض والده الذي يعاني من الديسك ولا يملك سوى الخيمة وبعض المساعدات منذ نزوحه نهاية عام 2018 من قرية كفروما في ريف معرة النعمان الغربي، لذلك يحاول علاء أن يشتري بعض مستلزماته من لباس وطعام بالاعتماد على نفسه، "لا يستطيع أبي أن يوفر لي كل ما أحتاج إليه. كذلك أترك قسماً من المحصولات التي أعفرها لسد حاجة أهلي، ثم أبيع الباقي أنا وأخي ونتقاسم سعره".

محمد، زميل علاء في العمل حصل خلال شهر أيار الماضي على 200 ليرة تركية من عمله بتعفير شجر المحلب في قرى جبل الزاوية. والده يشكو من اتهامات الناس لهم بالسرقة، يقول: "من يحب الكسب الحرام سيفعله بكل عمل وليس فقط بالتعفير، ولإبعاد الشبهة عنا فإني أحرص أن أعلم أولادي على أن لا نقترب من الأرض إلا بعد أن ينتهي أصحابها من قطافها“.

وبهذا الصدد يوضح علاء مدافعاً عن مهنته هو الآخر: "لطالما مشينا أنا وزملائي وراء الحصادة مباشرة بعلم صاحب الأرض، وقبل أن يؤجرها لصاحب الأغنام، وقبل أن تصبح محرمة علينا، لنقطف مابقي من محصول حبة البركة".

الحاج حسين من مدينة معرة مصرين صاحب بقالية كبيرة يشتري من علاء وأخيه جميع أنواع المحصولات التي يعفرونها، يقول إن أسعار المحلب وحبة البركة وجميع أنواع البهارات الأخرى قد ارتفع هذه السنة، وأنه يشتريها من المعفرين بسعر الجملة، ويبيعها بسعر المفرق، فوصل سعر كيلو المحلب الخام إلى 16 ليرة تركية، وحبة البركة إلى 20 ليرة.

وحيد خطاب صاحب أراض زراعية زرعت بالزعفران في بلدة كللي، يعرب عن سعادته نتيجة ما تقدمه أرضه للمعفرين بعد حصدها، ويؤكد على رضاه التام بإفادتهم منها، لكن بطبيعة الحال فهذا ليس رأي الجميع.

ويؤكد المهندس الزراعي من قرية البارة على خسارة المناطق المحررة لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة، وتقدر بـ51 ألف هكتار في ريفي حلب الجنوبي والغربي، و30 ألف هكتار في ريف حماة الشمالي، و32 ألف هكتار في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، بالإضافة إلى خروج مساحات كبيرة عن نطاق الاستثمار الزراعي نتيجة قربها من مناطق التماس وانتشار الألغام ونزوح أغلب سكانها.

تعرض الكثير من معفري الأشجار المثمرة كالزيتون والتين للموت في الأيام الماضية بالألغام المنتشرة في المناطق الزراعية الحدودية مع مناطق النظام، لذلك عزف الكثير من المزارعين في المناطق المحررة عن استثمار أراضي قريبة من قوات النظام.

ولا تزال تذكر ريتا العلي (20 عاماً من كفرنبل) تلك الأيام التي توفي فيها أبوها وأخوها بسبب لغم أرضي انفجر بهما أثناء تعفير أراضي قريبة من قوات النظام في الصيف الماضي. "البقية عادوا مع ربح لا بأس به من ثمار التين" هكذا يختتم الحديث قصتهم عند تذكرها، أما ريتا فتقول: "أي عمل لكسب العيش (هنا) مهما كان نوعه مغامرة خطيرة. تعرض صاحبها للموت، طالما أن الحرب موجودة".