نهاية فلحوط وتوابعه في السويداء لا يعني تصفية الواقع الميليشياوي الذي تعيشه

لم يبد النظام السوري أي ردة فعل على التطورات الأخيرة في السويداء، باستثناء استبدال رئيس فرع المخابرات العسكرية في السويداء، وهي خطوة حاول من خلالها امتصاص غضب السكان. بالمقابل ما تزال الخطوات التي يتخذها أهالي السويداء والفصائل المسلحة، تستهدف الفصائل والميليشيات المدعومة من النظام، لكن دون أي تعرض لأفرع المخابرات أو مقرات قوات النظام حتى اليوم، أو حتى للميليشيات التابعة لها بعيداً عن المخابرات العسكرية.

جاء تفكيك الميليشيات التابعة لفرع المخابرات العسكرية مؤخراً، والتي نتج عنها إنهاء وتفكيك فصيل راجي فلحوط المعروف بقوات الفجر يوم 26 تموز 2022، في سياق انتفاضة مسلحة انفجرت كردة فعل على ممارساته الإجرامية التي تبدأ بعمليات خطف بدافع الفدية وقطع طرقات ونصب حواجز وفرض إتاوات على الحركة التجارية، ولا تنتهي بإخفاء واعتقال لمعارضي النظام.

يمكن القول بأن المجتمع في السويداء وصل إلى مرحلة لم يعد يحتمل فيها سياسة الإذلال، فجاء اختطاف ميليشيا راجي فلحوط لمواطنين من أهالي مدينة شهبا بشكل عشوائي كشرارة فجرت البركان، الذي ظهر على شكل هجوم نفذه المئات من أهالي منطقة شهبا والفصائل المسلحة المحلية المستقلة عن النظام، على مقرات الميليشيا في بلدتي عتيل وسليم على طريق دمشق/السويداء، لتسقط تلك الميليشيا خلال يومين، بعد مواجهات مسلحة قُتل فيها 11 عنصراً من ميليشيا فلحوط، و6 من المسلحين الذين هاجموها. كما أسرت الفصائل المسلحة حوالي 20 عنصراً من الميليشيا أعدمت 7 منهم على دفعتين رمياً بالرصاص، عند دوار المشنقة وسط مدينة السويداء.

نفذت الفصائل عمليات الإعدام دون أي محاكمة، وقالت أنها "قتلت المتورطين بالدماء"، في حين أطلقت سراح بقية الأسرى. ويبدو إعدام الأسرى نتيجة واضحة لفقدان الثقة بأجهزة النظام في محاسبة المجرمين، وخوفاً من إطلاق سراحهم في حال تسليمهم للقضاء. ورغم ذلك أثارت عملية إعدامهم ردود فعل رافضة ومستهجنة من المجتمع المحلي.

استمرت بعدها عمليات اجتثاث الميليشيات والفصائل المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية تحديداً، وحزب الله المتحكم بالمنطقة الجنوبية، إما باستخدام القوّة ضدها، كما حصل في بلدة قنوات ضد ميليشيا قوات الفهد، التي نفذت الفصائل المسلحة حملة أمنية ضدها مطلع آب الجاري، وتمكنت خلالها من اعتقال أعضاء بارزين فيها، أو من خلال تفكيكها وتسليم أسلحتها، كما حصل في بلدتي المزرعة وصلخد، حيث جرّدت الفصائل ميليشيات تابعة للمخابرات العسكرية من أسلحتها، بعد توجيه إنذارات لها باتخاذ عمل عسكري ضدها في حال لم تسلم سلاحها.

لكن وفي الوقت الذي انتهى فيه نفوذ ميليشيات شعبة المخابرات العسكرية في السويداء، ما تزال ميليشيات أخرى مرتبطة بأجهزة النظام خاصة بمكتب الأمن القومي أو أمن الدولة مثل "الدفاع الوطني"، "كتائب البعث"، "حماة الديار"، و"الحزب القومي" تسجل حضوراً في المحافظة، رغم تراجع أدوارها الكبير الذي بدأ منذ العام 2018 لصالح ميليشيات المخابرات العسكرية، ما جعلها بعيدة عن الاستهداف حتى الآن، دون إغفال من الأوساط المحلية لإمكانية استثمار النظام بها، لتبقى السويداء مع هذه المعطيات رهينة لحالة تبدل قوى الأمر الواقع، وبانتظار تغيير سياسي جذري على مستوى سوريا، وعودة الدولة ككيان ضروري يضمن الاستقرار.

على كل حال تتصدر اليوم المشهد فصائل مسلحة مستقلة عن النظام السوري، لكنها بنفس الوقت ليست معارضة له، إذ يمكن تصنيفها على أنها مناوئة لبعض ممارساته، لكنها تحظى (رغم تقلب مواقفها) بتأييد شريحة لا بأس بها من المجتمع المحلي في السويداء، كون سجلها في الانتهاكات محدود جداً قياساً بالميليشيات المدعومة من النظام. على رأس تلك الفصائل "حركة رجال الكرامة" أكبر فصيل عسكري في السويداء، إضافة إلى مجموعتي "لواء الجبل" و"قوات شيخ الكرامة".

بالعموم لم تكن محافظة السويداء معارضة للنظام، ما خلا بعض التكتّلات ذات المنشأ الحزبوي القديم، والشباب المثقف الذي يريد التغيير والخلاص من الحكم المستبد، ولكن بسبب الضعف البنيوي للمعارضة ولحجم الرد القمعي والعنفي القوي للنظام أصابها الفشل، وبقيت تغرّد خارج السرب لا حول لها ولا قوة، تعيش تحت ربقة نظام مافيوي مستبد شكّل واقعاً ميلشياوياً موالياً متصارعاً بين مكوناته نفسها.

ومنذ العام 2011 قام النظام بتشكيل فرقٍ من الموالين الحزبيين البعثيين والمهمشين والعاطلين غير المتعلمين وأصحاب المصالح والمرتزقة الذين يريدون ديمومة الفوضى والفلتان الأمني، حيث وزّع عليهم السلاح وأطلقهم لقمع أبناء السويداء بعد رفضهم التجنيد في ميليشياته ومحاربة باقي السوريين، وكي يبقى متحكماً بالوضع في الجنوب السوري.

وبعد أن تخلت السلطة "عن عمد" عن إدارة الوضع الأمني في السويداء وعن مهامها المنوطة بها، قامت بتشكيل فصائل عديدة كلفتها بقيادة وإدارة الفساد المخطط له بعد أن سلحتها وأعطتها الحصانة بأن جعلتها فوق المحاسبة والقانون، وجعلت تمويلها ذاتياً عن طريق تأمين طرق تهريب المخدرات ونشرها وبيعها والقيام بعمليات الخطف وطلب الفديات لسحب أموال المخطوفين وسرقة ممتلكاتهم لتصل إلى القتل أحياناً.

اعتمد النظام على تلك الفصائل والميليشيات التي شكّلها في بداية الثورة لقمع المظاهرات السلمية، وتحوّلت مع الوقت إلى قوى أمر واقع، وأداة عند استخبارات النظام لفرض قبضته الأمنية على أهالي المحافظة، بعدما تلاشت تلك القبضة بعد عام 2011. فكان النظام السوري يتحاشى ضرب خصومه في السويداء لمقامرته بشعار "حماية الأقليات" في المحافل الدولية، فأصبح المشهد: خارجون عن القانون يطبّقون القانون.