مريضات الكلى.. أعداد متزايدة ومعاناة يضاعفها البحث عن سبل العلاج في إدلب

مركز إدلب - بعدسة الكاتبة

تزداد باضطراد معاناة مريضات الكلى في إدلب مع انخفاض الدعم عن المراكز المجانية وضرورة تأمين مواد ومعدّات لجلسات غسيل الكلى على نفقاتهن الشخصية، وهو ما وضع الفقيرات منهن أمام خيارات صعبة.

تتأثر مريضات الكلى بجو الترقب السائد في مراكز غسيل الكلى في إدلب، التي تعتمد اليوم على تبرعات فردية من أشخاص وفرق إنسانية ومنظمات أخرى على شكل متقطع، من أجل تقديم الحد الأدنى من مواد واحتياجات جلسات الغسيل. فيما تبحث المريضات عن بدائل معقولة عن تلك المراكز التي تتناقص خدماتها مع الأيام.

خوف من المستقبل

ربيعة الحاج حسين (51 عاماً) تداوم على 3 جلسات غسيل كلى أسبوعياً، بسبب إصابتها بـالفشل الكلوي منذ سنوات طويلة، ويؤثر عليها مؤخراً انخفاض الدعم المقدم للعلاج في مركز ابن سينا في مدينة إدلب، ما دفعها إلى تخفيض جلسات الغسيل نظراً لتدهور أوضاعها المادية، وهو ما راح يؤثر بشكل مباشر على صحتها وتأخر علاجها.

تقول السيدة ربيعة لعين المدينة "رحلة العلاج باتت مرهقة مادياً ومعنوياً، فأجور المواصلات وتكاليف العلاج تزيد معاناتي باستمرار، أشعر بالخوف حين أفكر بتوقف العلاج الفجائي بعد مدة قصيرة إن استمر الحال على ما هو عليه من تأخر الدعم وضعف الحال. مرعب ما سيكون عليه حالي إن حصل ذلك".

تضطر ربيعة في كل مرة إلى تحمل عناء دفع أجور المواصلات كي تصل إلى مركز غسيل الكلى في إدلب، من مخيمات حربنوش شمال غرب إدلب حيث تقيم، عدا عن مكابدة تكاليف شراء بعض المواد العلاجية الضرورية عند كل جلسة غسيل، بعد تناقص الدعم عن المركز الذي تتعالج فيه.

أعراض عديدة تشكو منها ربيعة بعد إصابتها بالفشل الكلوي أهمها التَّعب والغثيان، الحكة، النفضان، تشنج العضلات، نقص الشهية، صعوبة التنفس وتورم في الجسم وخاصة الساقين.

وكذلك الحال مع جمانة الكردي (24 عاماً) التي تعيش حالة قلق دائمة من نفاذ جلسات الغسيل في مركز باب الهوى الحدودي، الوجهة التي تداوم عليها لعلاج حالتها بعد إصابتها بالفشل الكلوي منذ قرابة الخمس سنوات. تقول جمانة أن الجلسة الواحدة راحت تكلفها ما يتراوح بين 20 و 30 دولاراً أمريكياً، وهو مبلغ يفوق الدخل الأسبوعي للأسرة بأكملها، وليس بمقدورعائلتها تأمينه على الإطلاق، خاصة بعد نزوحهم من بلدتهم جنوب إدلب وفقدانهم مصدر أرزاقهم بعد سيطرة قوات نظام الأسد عليها.

أثر الزلزال

وعدا عن الحالات القديمة، ازادت حالات الفشل الكلوي إثر الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق شمال غرب سوريا في السادس من شباط الماضي، وذلك بعد خروج أعداد كبيرة من المصابين ممن يعانون مما يعرف ب"متلازمة الهرس" جراء مكوثهم لساعات وأيام تحت ركام منازلهم المدمرة، إذ لم تكن النجاة من تحت الأنقاض خلاصهم من المحنة التي مروا بها، بسبب رحلة علاج قاسية بدؤوا بها في مستشفيات تفتقر إلى المعدات والمختصين.

ريا العرنوس ( 32 عاماً) تعرضت لمتلازمة الهرس، وأودت بها الحالة الصحية الحرجة إلى غرفة العناية المشددة في مستشفى العيادات الداخلية في محافظة إدلب، بعد أن باتت مهددة ببتر إحدى الأطراف، وبحاجة إلى غسيل كلى مستمر، بعد أن تعرضت لهرس في الطرفين السفليين والعلويين، وتعيش اليوم على الضمادات والمسكّنات، وجلسات غسيل الكلى المتكررة وفق ما ذكرته لعين المدينة.

لم تشعر ريا بتحسن يذكر رغم مدة العلاج الطويلة في المستشفى، بالتحديد فيما بتعلق بالفشل الكلوي الذي أصيبت به على وقع إصابتها بمتلازمة الهرس.

وفي التعليق على الموضوع، قال غانم خليل مدير العلاقات العامة في مديرة صحة إدلب لعين المدينة، أن معظم الناجين الذين بقوا لمدة 24 ساعة تحت الأنقاض تعرضوا لمتلازمة الهرس الشديد، التي تؤدي إلى تدمير العضلات، وقصور كلوي حاد.

وأضاف أن"هذه النسبة الإضافية من المصابين بالفشل الكلوي تجاوزت 860 إصابة في الشمال السوري نتيجة إصابات المتلازمة". وأوضح أن مرضى متلازمة الهرس يجرى لهم يومياً جلسة غسيل كلى أو أكثر، وهي تصنّف كحالات طبية خطيرة، لأن نسبة الوفيات فيها عالية.

وأكد أن عجزاً كبيراً يعاني منه القطاع الصحي في الاستجابة لمرضى متلازمة الهرس في مرحلة ما بعد الزلزال، جراء الصعوبات والاحتياجات ونقص في المستلزمات والأدوية، فالقطاع غير مهيأ لمواجهة كوارث لم تحصل في المنطقة سابقاً. وأشار إلى أن كارثة الزلزال جاءت لتزيد العبأ على القطاع الصحي الذي استنزفت كامل طاقته خلال الأيام الأولى، لتكون المبادرات المحلية هي الأساس في تغطية الاحتياجات نظراً لتأخر وصول المساعدات الأممية.

ووصل أعداد المصابين جراء الزلزال إلى 12 ألف مصاب، أغلبهم كان لديهم متلازمة الهرس وبحاجة إلى أجهزة غسيل الكلى والكيتات، بينما هنالك نقص كبير في تلك الأجهزة.

في حين تعاني مراكز غسيل الكلى البالغ عددها 8 مراكز فقط في إدلب (مدينة إدلب، أريحا، أرمناز، سلقين، حارم، دركوش، الأتارب، باب الهوى)  من الضغط الشديد، وهي تعاني بالأصل من شحّ في المستلزمات والمعدّات والكيتات، حتى ما قبل وقوع الزلزال.

وكشف الخليل عن ضرورة وجود مراكز لغسيل الكلى دون الحاجة لتحويل الحالات إلى تركيا، التي أوقفت استقبال المرضى السوريين من ذوي الإصابات والأمراض الخطيرة منذ وقوع الزلزال حتى إشعار آخر، وحرمت بذلك مئات المرضى الذين كانوا يدخلون من المعابر الحدودية من تلقي العلاج داخل تركيا.

وبحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) فقد تضرر بفعل الزلزال في شمال غربي سوريا ما لا يقل عن 53 مرفقاً صحياً جزئياً، ومرفقان صحيان بالكامل، وخرج عن الخدمة 12 منشأة صحية توقف العمل بها.

مسارات مغلقة

مدير ملف مرضى الكلى في مديرية صحة إدلب الدكتور باسل صباغ قال لعين المدينة، أنه  بلغ عدد المريضات 304 مريضة من بينهن 5 دون سن 12 عاماً، من أصل 662 مريض يعانون من قصور كلوي مزمن غير قابل للشفاء، والعلاج الوحيد المتوفر هو الغسيل الكلوي الدائم بمعدل جلستين أسبوعياً (9-10 جلسة شهرياً) وكل جلسة تحتاج إلى 4 ساعات.

ونوه الصباغ إلى أهم الصعوبات الحالية التي تواجه تلك الفئة التي تعتبر من الفئات الهشة للغاية، إذ لا يمكنها القيام بأي أعمال تكون مصدر رزق، أو حتى الأعمال المنزلية التي تكون محدودة، بسبب دخول المريض أغلب الأحيان في حالة وهن قبل يوم من موعد جلسة الغسيل وخلال يوم جلسة الغسيل الكلوي.

وأوضح أن هنالك علاج وحيد لمثل تلك الحالات عبر زرع الكلية، لكنه غير متوفر في مناطق شمال غربي سوريا والمناطق المحررة بشكل عام، سواء في المرافق الخاصة أو المؤسسات العامة المدعومة من قبل المنظمات والجمعيات غير الحكومية.

ويضطر المريض الذي ينوي زرع الكلية الى الذهاب إلى تركيا حصراً، وهو أمر مرهق جداً وله إجراءات طويلة لاعتبار زرع الأعضاء من الحالات الباردة، وتحتاج إلى متابعة طبية مكثفة خلال أول عام من الزرع.

أما عن الأدوية التي تحتاجها هذه الفئة فهي من الأدوية النوعية، وأهمها الألبومين بسبب معاناة مرضى الغسيل الكلوي من فقر الدم والحاجة الدائمة إلى هذا الدواء، الذي يصل سعره في المتوسط إلى 35 دولاراً.