مؤشِّرات خلاف جذري بين ”قسد“ والنظام

نقل ”المكتب الصحفي في محافظة الحسكة“ على صفحته في فيسبوك، تصريح محافظ النظام في الحسكة اللواء غسان خليل، الذي يتَّهم فيه "قسد" بمحاصرة جيبَي النظام في مدينتَي القامشلي والحسكة، وتحدث المحافظ في تصريحه لإذاعة ”شام إف إم“ الموالية للنظام، عن حصار لمركز المدينة الذي تتواجد فيه قوات "الجيش العربي السوري"، مضيفاً أن ما يجري هو ضد مصلحة المواطنين وأن "قسد" بالحصار الذي تفرضه تحاول تحصيل مكاسب في محافظة حلب. وهذا التصريح الذي جاء ضمن أكثر من تصريح يعلن فيه المحافظ أنهم "لن يستسلموا" يعد سابقة من مسؤول لدى النظام في الحسكة في التعامل مع الملف.

بهذا التصريح، يؤكد خليل عمق الأزمة التي تشهدها العلاقة المتوترة والمتقلِّبة بين النظام و"قوات سوريا الديمقراطية“ (قسد) وأن هذا التوتر يختلف عن الاشتباكات السابقة، والتي كان آخرها كان في أيلول 2018 وقد سقط خلالها 18 عنصراً من الطرفين.

تعود بداية التوتر الحاصل إلى أواخر كانون الأول 2020، والذي جاء نتيجة رفض البعض من مؤيدي النظام إغلاق محالهم التجارية في حيَّي الوسطى والغربية الواقعين تحت سيطرة ”قسد“ في مدينة القامشلي، والالتزام بقرار الحظر الجزئي الذي فرضته ”الإدارة الذاتية“ على جميع مناطق سيطرتها بسبب انتشار فيروس كورونا. الأمر الذي استدعى تدخل قوات النظام لمؤازرتهم، ما أدى إلى اصطدام قوات الأمن الداخلي "الأسايش" بعناصر النظام، نتج عنه اعتقال ثلاثة عناصر من المخابرات الجوية بالإضافة إلى مدير منطقة القامشلي العميد لطفي سمعان وأربعة من مرافقيه. في المقابل، اعتقلت قوات النظام عدداً من العناصر والموظفين لدى "الإدارة الذاتية".

تبع ذلك عدد من الصدامات وتبادل الاعتقالات، كان آخرها يوم 20 كانون الثاني في مناوشات خفيفة بين كتيبة الهجانة التابعة للنظام وقوات الأسايش التابعة لـ“قسد“ وسط مدينة الحسكة.

وخلال ذلك تشهد مدينتا الحسكة والقامشلي لليوم التاسع، حصار ”قسد“ المربعين الأمنيين والأحياء التي تسيطر عليها قوات النظام، ومنع موظفي وعمال مؤسسة المياه من الوصول إلى مبنى المديرية، كما منعت وصول العاملين في كل من محكمتَي تل تمر والقامشلي ودائرة الأحوال المدنية فيهما، وكادر مستشفى القامشلي إلى أعمالهم، في الوقت الذي تنقل فيه وسائل إعلامية متعددة خبر إرسال الجانب الروسي تعزيزات عسكرية شملت عدداً من الجنود باتجاه المحافظة.

ورغم أن النظام يروج عبر وسائل إعلامه لـ"حل قريب“، وأنه "لن يكون هناك صدام مباشر ولا أي مواجهة عسكرية" وأنهم يعملون على ”التهدئة"، إلا أنه يستعد عسكرياً بنشر دبابات في قرية عب الشوك 15كم شرق مدينة الحسكة، وحشد أكثر من 500 عنصر في الملعب البلدي بمدينة الحسكة، حسب ناشطين إعلاميين من المحافظة.

في المقابل، عززت ”قسد“ حواجزها القريبة من المربع الأمني في مدينة الحسكة بحواجز إسمنتية، وزادت عدد العناصر ونشرت آليات عسكرية ثقيلة (hummer) على حواجزها في حيَّي النشوة الشرقية وغويران على مداخل المربع الأمني، وفي ذات السياق نشرت مواقع إعلامية خبر نقل القوات الأمريكية عبر حوامات 200 جندي من العراق إلى محافظة الحسكة تم توزيعهم على قواعدها في الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، وحقل العمر النفطي ومعمل كونيكو للغاز في ريف ديرالزور.

يرى الصحفي سامر الأحمد من القامشلي، أن التوتر الحاصل بين ”قسد“ والنظام يحمل محاولة الطرفين تحصيل مكاسب. فالنظام يريد الضغط على ”قسد“ لتوسيع نفوذه شرق الفرات خاصة بعد فشل جهوده في السيطرة على مدينة عين عيسى، عبر تلويح روسيا بفتح الباب أمام الشبح التركي. في المقابل تحاول ”قسد“ استغلال الوضع الجديد في السياسة الدولية مع وصول جو بايدن إلى الرئاسة وأشخاص في الإدارة الجديدة معروفين بدعم ”قسد“، مثل مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك ووزير الدفاع الجديد لويد أوستن، الذي كان قد أشرف على تأسيس ”قسد“، التي تعول عليهم لتقوية موقفها شرق الفرات و"عدم السماح لروسيا أو للنظام أو لتركيا بتحقيق مكتسبات جديدة على حسابها، لذلك تحاول كسب الوقت بحصار المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة"، حسب ما تحدث الأحمد لـ“عين المدينة“.

بينما يرى المتحدث باسم تيار المستقبل الكوردي في سوريا علي تمي، أن الضغوط الأمريكية على ”قسد“ في ما يخص قطع علاقتها مع النظام، قد بدأت تثمر بمحاصرة المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة، بدليل إشارات أرسلتها ”قسد“ إلى المعارضة السورية من خلال بيان أصدرته "الإدارة الذاتية"، والذي يعد رضوخاً للضغوط الأمريكية للتواصل مع الائتلاف السوري.

ويتابع تمي في تصريحه لـ“عين المدينة“: "على العموم هناك تصعيد محتمل في شرق الفرات، (نتيجة) خلافات حقيقية هذه المرة بين النظام و“قسد“.. (بعد) وصول بايدن إلى البيت الأبيض نحن أمام مرحلة جديدة في شرق الفرات، وكل طرف يعد العدة تحضيراً لمواجهات محتملة".

 وفي ذات السياق، يذكر الصحفي سامر الأحمد أن ”قسد“ من خلال هذه الحركة ربما تشير إلى أن الصراع داخل حزب الاتحاد الديمقراطي سيميل لصالح كفة التيار الذي يستجيب لمطلب فك الارتباط مع النظام وإيران وحزب العمال الكردستاني.

ورغم أن التوتر إلى الآن لم يتطور إلى اشتباك مباشر، لكن ”قسد“ لجأت إلى قطع الطحين والحبوب ومنع الخبز من الدخول إلى مناطق سيطرة النظام، وبالتحديد حيَّي طي وحلكو وقرى جنوب القامشلي، ما يجعل المدنيين هم الخاسر الوحيد من هذا التوتر المتصاعد بين الطرفين، عدا عن أن تحوله إلى صدام مباشر سيجعل من المدنيين الضحية الأولى بسبب تمركز قوات النظام داخل الأحياء السكنية.

في حين تجري محاولات برعاية روسية للاتفاق، الذي مهما كانت نتائجه أو صيغته سوف يؤدي إلى زيادة نفوذ روسيا وفرض نفسها كراعية سلام بين الطرفين، كما يرى الأحمد، ما يؤدي إلى تثبيت وجودها في مناطق شرق الفرات، ويقطع الطريق أمام الإدارة الأمريكية الجديدة لتحجيم الدور الروسي في سوريا.