قصّة السوريّات اللواتي خضعنَ قسراً للعبودية الجنسيّة في لبنان

كريم هاشم - بيروت
الغارديان 30 نيسان

ترجمة مأمون حلبي

كنّ يعذَّبنَ، وكان يُسمح لهنّ بمغادرة المنزل فقط من أجل عمليات الإجهاض والمعالجة من الأمراض الجنسية. كانت تلك قضيةً هزّت البلاد.

بعيداً عن الأنظار، في إحدى ضواحي بلدة جونيه اللبنانية، ينتصبُ صرحٌ يُجسّد وحشية البشر. ففي هذا المنزل البائس، الذي يتألف من طابقين، تم إجبار 75 امرأةً سوريةً على الخضوع للعبودية الجنسية. لقد كانت أكبر شبكة للإتجار بالبشر تمّ الكشف عنها في لبنان. في هذا المكان سُجِنت النساء بعد وصولهنَّ من بلدهنّ الذي مزقته الحرب، وتمّ بيع الواحدة منهنّ بأقلّ من ألفي دولار، وأُجبرنَ على ممارسة الجنس أكثر من عشر مراتٍ في اليوم. في هذا المكان كان يتمّ ضربهنّ وتعذيبهنّ وصعقهنّ بالتيار الكهربائيّ، وأحياناً جلدهنّ بالسوط إن لم يحصلنَ على ما يكفي من البخشيش. النوافذ والشرفات مُشبّكة بقضبانٍ حديدية – أقفاصٌ عملاقةٌ لها نوافذ مطليةٌ باللون الأسود، فتحرم النسوة حتى من ضوء الشمس.

كانت النسوة تغادرن البيت لإجراء عمليات الإجهاض. وكنّ يغادرنه أيضاً للعلاج من الأمراض الجنسية التي كانت تلحق بهنّ بعد إجبارهنّ على ممارسة الجنس مع الزبائن دون اتخاذ الحيطة الصحيّة، وللعلاج من الآفات الجلدية التي كان سببها عدم تعرضهنّ للشمس. المنزل، الذي يُسمّى شي موريس، فارغٌ الآن ومختومٌ بالشمع الأحمر. في الممرّ تتناثر الملابس الداخلية والملابس الوسخة، وعلى الأرض قهوةٌ مدلوقةٌ إثر مداهمة رجال الشرطة. بعض النوافذ مفتوحةٌ جزئياً، مفسحةً المجال لإطلالةٍ سريعةٍ على حياة نسوةٍ احتُجزنَ هنا لزمنٍ طويل، وبعضهنّ لم يكنّ قد بلغنَ السنّ القانونية عندما وصلنَ إلى لبنان. من القسم الداخليّ للمنزل، حيث تتناثر الملابس وعلب التبغ نصف الفارغة في غُرفٍ مُعتمةٍ وقذرةٍ وعلى أسرّة ذوات قضبانٍ معدنية، تخرج روائح كريهةٌ لفاكهةٍ فاسدة. يقول العقيد جوزيف مُسلّم، المُتحدّث باسم الشرطة اللبنانية: "تمّ إنقاذ هؤلاء النسوة الخمس والسبعين من العبودية، عبوديّة حقيقة بكل معنى الكلمة في زماننا. لقد فقدن كل جانب من جوانب الحرية، فلا حرية لديهنّ تجاه أجسادهنّ، ولا حتى تجاه أفكارهنّ".

تفاصيل الطريقة التي تمّ بها الإتجار بالنسوة، والانتهاكات التي عانينَ منها، وبنية الشبكة، والتي تمّ بواسطتها أخيراً الإيقاع بها، تمّ استخلاصها من خلال مقابلاتٍ مع مسؤولين أمنيين ومسؤولي شرطةٍ لبنانيين، ومن نسخةٍ من مذكرة الاتهام في هذه القضية حصلت عليها الغارديان. أسماء بعض النسوة كانت موجودةً في المذكرة، لكنّ هوياتهنّ الحقيقية قد سُحِبتْ. تتهم المذكرة 23 شخصاً بجريمة تشكيل شبكة إتجارٍ بالبشر، والقيام بتعذيب النسوة جسدياً ونفسياً وسجنهنّ وإجبارهنّ على ممارسة البغاء. وهي تُقدّم التفاصيل عن أدوار الأشخاص المُتهمين بإدارة الشبكة، ومن بينهم علي حسن زعيتر، رئيسها، وعماد الريحاوي، وهو سوريٌّ ما زالت الشرطة تلاحقه. وقد قالت جريدة الأخبار اللبنانية، التي تربطها علاقاتٌ وثيقةٌ بحكومة بشار الأسد، إنّ الريحاوي كان محققاً سابقاً في جهاز مخابرات القوى الجوية الرهيب. وهذا ما أكده في ما بعد للغارديان مصدرٌ أمنيٌّ مُطلعٌ على التحقيقات. وقد طلبت السلطات اللبنانية أن يتمّ تسليمها الريحاوي إن أُلقي القبض عليه في سورية، مُلمّحةً إلى احتمال أن يكون قد عاد إلى بلده بعد ملاحقة الشبكة. يقول رجال الشرطة والمسؤولون القضائيون إنه تمّ تهريب النسوة من سورية والعراق وتجنيدهنّ من قبل عملاء الشبكة لأعمالٍ يُفترض أنها مشروعة، مثل العمل في المطاعم، قبل أن يسجنّ في شي موريس. يقول العقيد جوزيف: "ربما كانوا يبحثون عن العائلات الأضعف، إذ لا أحد في عائلاتٍ من هذا النوع سيسأل عن المرأة. إنهم صيادون. ولم يعاملوا النسوة كبشرٍ ولا للحظةٍ واحدة".

من قاومن العمل كبغايا تمّ ضربهنَ واغتصابهنَ، وبعدها أُجبرنَ على ممارسة الجنس مع الزبائن. أحياناً كانت النسوة تُصعقن بالكهرباء أو تُجلدن، وسط بيئةٍ وصفها القضاة أنها "رحلةٌ إلى الجحيم". قالت مذكرة الاتهام إنّ النسوة أُجبرنَ على ممارسة الجنس مع الزبائن أكثر من 10 مرّاتٍ في اليوم، وهذا ما كان يدرُّ على الشبكة من 30 إلى 70 دولاراً للجلسة. كان الحراس يأخذون كامل المبلغ، بما في ذلك الإكراميات. إحدى النسوة باعها زوجها لعميلٍ في الشبكة بمبلغ 4500 دولار. الأخريات اشتراهنّ العملاء بمبالغ تتراوح بين 1000 و1500 دولارٍ لكل واحدة. كان العملاء يرسلون صوراً لصيدهم المُحتمل إلى زعماء الشبكة عن طريق الواتس أب، فيكسبون بذلك 2500 دولارٍ عن كلّ امرأةٍ إن تمّت الصفقة. ووفقاً للشرطة، فإن اللواتي يُصبحنَ في حالة الحمل يتم أخذهنّ إلى عيادةٍ تقع في ضاحية الدكوانة شمال بيروت، يديرها طبيبٌ مشهورٌ في المنطقة يُدعى رياض بولس علم. وقد زُعِمَ أنه أجرى قرابة 200 عملية إجهاضٍ لنسوةٍ في الشبكة على مدار أربع سنوات، وكان يكسب 200–300 دولارٍ مقابل كلّ عملية. قال وزير الصحة اللبنانيّ إن علم ينبغي أن "يتعفّن" في السجن.

كان حراسٌ ذكورٌ ينتشرون خارج المنزل للمراقبة، وفي الداخل حارساتٌ تُبقين الأسيرات خاضعاتٍ لبرنامجٍ صارم. كانت الحارسات تُبلّغن عن الأسيرات إن لم ينجحن في كسب إكرامياتٍ مُعتبرة، أو إن اشتكى زبونٌ، أو إن لم يكن المكياج أو اللباس متفقاً مع المواصفات، أو إن لم يكن أداء الأسيرات جيداً بما يكفي لإقناع الزبائن بالبقاء ساعةً أخرى. لمخالفاتٍ من هذا النوع كان يتمّ ضرب الأسيرات. كانت النسوة أحياناً يعملنَ حتى عشرين ساعة في اليوم، من العاشرة صباحاً حتى السادسة من صباح اليوم التالي، وهذا بالكاد يُتيح لهنّ بضع ساعاتٍ من النوم قبل أن يتوافد عليهنّ الزبائن من جديد.

في إحدى جُمع أعياد الفصح هربت النسوة. استطاعت ثماني أسيراتٍ التغلب على الحراس، مُستغلاتٍ حقيقة أنّ المنزل كان تحت حراسةٍ خفيفةٍ أثناء العطلة. أربع منهنّ منعهنّ الرعب من المغادرة، والأربع الأخريات لُذنَ بالفرار. ثلاثٌ من الأربع الفارات أخذن ميكروباص كان متجهاً إلى جنوب بيروت وحكين قصتهنّ لسائق سيارة فان صغيرة، وهو اتصل بالشرطة. وصل رجال الشرطة المدرّبون على اكتشاف شبكات الإتجار بالبشر واستجوبوا النسوة، وبعدها خططوا للضربة التي وضعت حدّاً لهذه المأساة. كانت بعض النسوة أسيراتٍ لدى الشبكة لسنتين أو ثلاث سنوات. يُجري جهاز قوى الأمن الداخليّ تحقيقاتٍ داخليةً ليعرف كيف أفلتت الشبكة من الانكشاف طوال هذه المدة. النسوة حالياً في عددٍ من دور الإيواء المحلية ومخفياتٌ عن أعين الإعلام، وقد أُعطينَ فرصةً للتعافي والشفاء. ومن المتوقع أن تُقدِّم لهنّ دور الإيواء الدعم الاجتماعيّ والقانونيّ والطبيّ والنفسيّ، كما أنها تدرس خيارات إعادة توطينهنّ في بلدٍ آخر. لكن، في البداية، سيُعطَينَ فرصةً للراحة بعيداً عن أيّ استجواب. لقد هزّت هذه القضية كثيراً من الناس في لبنان، وفتحت مجالاً لنقاشٍ أوسع عن البغاء والإتجار بالبشر واستغلال السوريين في البلاد. كان لبنان قد أصدر قانوناً يكافح الإتجار بالبشر في أواخر عام 2001 تحت ضغط الولايات المتحدة. لكن قبل ذلك كان يُدّعى على شبكات الإتجار بالبشر في ظلِّ قانون عقوباتٍ يُجرّم البغاء، وكان يساوي بين نساء الشبكة وقواديهنّ. أمّا القانون الجديد فيعامل النسوة كضحايا، مع أنه مطلوبٌ منهنّ إثبات أنهن مجبراتٌ على ممارسة البغاء.

مسؤولو الشرطة والعاملون في مجال حقوق الإنسان يعترفون أن المشكلة أصبحت أسوأ بكثيرٍ مع اندلاع الحرب في سوريا، هذه الحرب التي تركت كثيراً من النسوة في موقفٍ ضعيفٍ أمام أحابيل تجار البشر. ليست كلّ النسوة في تلك الشبكة لاجئات، لكنهنّ متحدراتٌ من أسرٍ سوريةٍ فقدت ممتلكاتها. مع ذلك، أسرةٌ واحدةٌ من أصل كلّ خمس أسرٍ لاجئةٍ في لبنان تكون المرأة مسؤولةً عنها، ويترتب عليها أن تهتم بالأطفال وتعولهم، مع أنه من غير القانونيّ أن تعمل. في لبنان أكثر من مليون لاجئٍ من سورية، وثلثا هؤلاء من النساء والأطفال. عمالة الأطفال منتشرةٌ في بيروت ووادي البقاع والأراضي الزراعية البعيدة.

تقول غادة جبور، وهي رئيسة مجموعةٍ نسويةٍ تعمل في قضايا العنف واستغلال النساء وتقديم الدعم لضحايا الانتهاكات التي من هذا النوع: "هؤلاء النسوة محطماتٌ بالكامل لحقيقة أنهنّ كُنّ يمارسن البغاء ولأنهن عوملن بطريقةٍ قاسيةٍ جداً. سيساعدهنّ الدعم النفسيّ على التعامل مع مشاعر تقدير الذات والإحساس بالعار، بالإضافة إلى ندوب التعذيب والعنف اليوميّ والإذلال".