قصة مدينتين في حلب: الأنقاض في طرف، ومطاعم مكتظّةٌ في الطرف الآخر

لفداي موريس
واشنطن بوست/ 19 آذار
ترجمة مأمون حلبي

تعمل خطوط الجبهة في أحياء حلب -المدينة الأكثر سكاناً في البلاد- عملها، فتقسمها إلى نصفين شديديّ الاختلاف، يتمتع أحدهما بامتيازاتٍ بالقياس إلى القسم الآخر.

في حديقةٍ في القسم الواقع تحت سيطرة النظام تتنزّه العائلات، بينما يصطفّ الأطفال لشراء البالونات والبوشار. على بعد بضعة أميالٍ، في حرمٍ جامعيٍّ ممتدّ، يحضر آلاف الطلاب دروسهم. في قلب المدينة تعرض السينما أحدث أفلام هوليود، وفي المساء تكتظّ المطاعم بزبائنها. الحرب تجرُّ معها الموت وعدم الارتياح، لكنّ الحياة هنا تستمرّ بدرجةٍ مدهشةٍ من العادية. إنها صورةٌ شديدة الاختلاف عن الصور التي شاهدها العالم لمدينة حلب أثناء الحرب: الشوارع التي تملؤها الأنقاض، بقايا مبانٍ مُدمّرة، أجسادٌ فقدت الحياة تُسحَبْ من بين الرُكام بعد الضربات الجوّية. لكنّ هذه صورةٌ للقسم الواقع تحت سيطرة المُتمرّدين. هناك، هذا المزيج من الجماعات المسلّحة المسيطرة يكاد يكون محاصَراً بالكامل وتمّ قصفه بشكلٍ وحشيٍّ قبل أن يأتي وقف إطلاق النار بشيءٍ من الراحة. مدينة حلب القديمة، الواقعة على خطوط النار تماماً، مُدمّرةٌ. القلعة، التي تشمخُ فوق أسواقها التي طالها اللهيب، هي الآن قاعدةٌ عسكريةٌ للنظام.

استلزمت الرحلة من دمشق إلى حلب طريقاً طويلاً ومتعرجاً. ما كان في ما مضى رحلة أربع ساعاتٍ استغرق ضعف تلك المدة. قُرب بلدة خناصر، الواقعة على بُعد 30 ميلاً عن مدينة حلب، تسيطر جبهة النصرة على أحد جانبي الطريق، ويُسيطر تنظيم الدولة على الطرف الآخر. الشهر الماضي هاجمت ثلاث عرباتٍ مفخخةٌ حاجزاً هناك، لكن طوال السنة الأخيرة كان الطريق على الأغلب مفتوحاً، ويقول سكان حلب في القسم الخاضع للنظام أنّ الأحوال المعيشية تتحسن. بعد ثلاثة شهورٍ بدون ماء، أُعيد ضخُّ المياه إلى معظم المناطق هذا الشهر. لكنّ الكهرباء لا تزال مقطوعة، ولا تتوافر الطاقة إلا عن طريق المولدات. في الحديقة، دويّ الانفجارات الخافت ومجموعات الرجال في بدلاتهم العسكرية هي من المؤشرات القليلة على الدمار القريب للغاية. للحرب في سوريا مُسحَةٌ طائفية، لكنّ للانقسامات مرتكزاتٌ طبقيّةٌ وقَبليّةٌ أيضاً. في حلب، التي هي مدينة سُنيّة في غالبيتها، والقوّة الصناعية الأولى في سوريا، كثيرٌ من الأحياء الأكثر ثراءً في غرب المدينة اصطفّت مع النظام، بينما سيطر المُتمرّدون على المناطق الأكثر فقراً. في مقهىً يقع في حيّ العزيزية الغنيّ يعلو صخب أغنية "ما في مصاري ما في حبّ". وفي آخر الشارع يخرج خمسون شخصاً من سينما الزهراء، التي تعرض فيلم "لقد سقطت لندن"، وهو فيلم أكشن عن هجومٍ إرهابيِّ يُدمّر العاصمة البريطانية. يقول رافي وهو يغادر السينما: "من الصعب العيش هنا. إنها ليست حياةً طبيعية". تقول زوجته إنها حاولت إقناعه بالرحيل، مثل الكثيرين الذين هاجروا من أجل حياةٍ جديدةٍ في أوروبا وأماكن أخرى في المنطقة.

تأخرت الثورة السورية في الوصول إلى حلب. وعندما وصلت المظاهرات الكبيرة إلى جامعة المدينة، قبل أربع سنواتٍ، كان القمع والاعتقالات الجماعية بانتظارها. يرى كمال خضري، نائب رئيس الجامعة، أنّ الاضطرابات من عمل طلابٍ يساندون "الجماعات الإرهابية". وقال إنّ الطلاب المشاغبين تركوا الجامعة بمحض إرادتهم. قال خضري إنّ عدد الطلاب قد تقلّص من 160 ألفاً إلى 120 ألفاً حالياً. وتستمرّ الحياة في الحرم الجامعيّ، تحت التحديقة الدائمة الحضور لصورة الأسد.

هاكوب تشوركيان، صاحب متجرٍ أرمنيّ الأصل، فقد منزله عندما سقطت قذيفةٌ محليّة الصنع أُطلقت من مناطق المعارضة على البناء الذي كان يقطنه قبل سنتين في حيّ الميدان، فقتلت امرأةً وطفلين. انتقل هاكوب للسكن في مكانٍ آخر، لكنه يعود إلى منطقته كلّ يومٍ ليعمل في متجره.