في دورات داعش الشرعية المغلقة، تصير الجنة في متناول اليد

من إصدارات داعش

يولي تنظيم داعش أهميةً خاصةً للدورات الشرعية، التي يفرضها على طيفٍ واسعٍ من غير المنتسبين إليه وعلى أتباعه أول انتسابهم. وتنقسم هذه الدورات، حسب طريقة ومكان انعقادها، إلى دوراتٍ مفتوحةٍ وأخرى مغلقة.

تُفرض الدورات المفتوحة بشكلٍ تلقائيٍّ على جميع الموظفين الحكوميين السابقين والعسكريين المتقاعدين والمنشقين من جيش النظام. وتُفرض أيضاً، وبإيعازٍ مباشرٍ للشخص المعنيّ، على كثيرٍ من المشتغلين بالأعمال الحرة أو العاطلين عن العمل. كما تستعمل أحياناً كعقوبةٍ مخففةٍ على بعض مرتكبي المخالفات الصغيرة بعد إنزال العقوبات المعهودة بهم. ويلجأ كثيرٌ من غير المنتسبين إلى داعش، ممن لم تفرض عليهم «الدورة الشرعية»، إلى المبادرة إلى الالتحاق بهذا النوع من الدورات، درءاً للشكوك في ولائهم وحمايةً احتياطيةً من أعين المخبرين والأمنيين. يعقد هذا النوع من الدورات في المساجد بدوامٍ جزئيٍّ، ساعةً أو ساعتين في اليوم، لمدةٍ لا تزيد على الشهر، تلقى خلالها دروسٌ في العقيدة والفقه. ويتولى إدارة الدورة وإلقاء الدروس «شرعيون» من غير ذوي الأهمية في جهاز داعش الدعويّ. يقول محمد، وهو معلم مدرسةٍ خضع لدورةٍ مفتوحة، إنه سأل مرّةً شرعياً عراقياً درّسهم في الدورة: «لماذا لا تقلدون النبيّ حين جاءته امرأةٌ حامل، معترفةً بالزنى، فتحاشى إقامة الحد عليها.. فردّ الشرعيّ: نحنا يهمنا إقامة الحد وتنفيذ الحكم، وباقي التفاصيل ما تهمنا».

أما الدورات المغلقة فتصنّف على نوعين؛ يُفرض الأول على المبايعين الجدد قبل التحاقهم بدورة التدريب العسكريّ، لإعدادهم دينياً وسلوكياً ونفسياً لأن يكونوا أفراداً منضبطين في صفوف داعش. فيما يُفرض الثاني على المقاتلين السابقين في صفوف كتائب الجيش الحرّ والفصائل الأخرى، وغيرهم من الناشطين المدنيين ممن لم يبايعوا التنظيم، وكذلك على أيٍّ من يُشتبه فيه بتهمةٍ خطرةٍ وينجو من الموت إعداماً أو تحت التعذيب، أو على أصحاب السوابق من المجرمين واللصوص. قبل الالتحاق بالدورة يخضع من تفرض عليه لجلسة استجوابٍ طويلةٍ ومكتوبةٍ في مكاتب «الاستتابة»، ثم يحدّد له وقتٌ بعينه لحضور الدورة، قد يتأخر لأشهرٍ بسبب الازدحام. وتعدّ بيانات التوبة وثيقة إدانةٍ على صاحبها إن تكشّف ما يخالفها لاحقاً، ويلقى «المذنب» هنا عقوبة الإعدام «نقضاً للعهد» الذي عاهد به التنظيم. وفي اليوم المحدد لبدء الدورة المغلقة يُنقل الملحقون بها إلى أمكنةٍ مجهولةٍ ومتغيرةٍ باستمرارٍ لأسبابٍ أمنية، في بلدات وقرى في ريف دير الزور، فقد تجرى الدورة في بناءٍ عامٍّ كمدرسةٍ أو مؤسسةٍ حكومية، أو في أحد المنازل المصادرة. ويتفاوت عدد المشاركين في كل دورةٍ من 50 إلى 500 شخص. وتتراوح مدتها من شهرٍ إلى شهرين، يطبق خلالها برنامجٌ مكثفٌ من الدروس في موضوعات الولاء والبراء ونواقض الإسلام وأحكام الجهاد، إضافةً إلى دروس الفقه والعبادات. تستغرق الدروس معظم النهار، وتتخللها عروضٌ لأفلامٍ مصوّرةٍ -بعضها غير منشورٍ في إصدارات التنظيم- عن معاركه وعملياته الأمنية وعمليات الإعدام وغير ذلك من منتجات داعش البصرية.

وعلى عكس الدورات المفتوحة، يتولى في المغلقة شرعيون أكثر علماً وتأثيراً إلقاء الدروس، مما قد يجذب أحياناً بعض الشبان «التائبين» إلى بيعة التنظيم. وقد يبلغ التأثر ببعضهم أحياناً حدّ طلب التسجيل في قوائم «الاستشهاديين»، التي تطول لتبلغ أرقاماً من رتبة الآلاف حسب زعم الشرعيين. ويروي شاهدٌ على إحدى دورات التوبة المغلقة حين صاح شرعيٌّ زائرٌ من العراق: «منو يدكّم؟ وعشاه بالجنة من 73 حورية» (الدكمة هي التسمية الدارجة للعبوات والسيارات المفخخة)، فرفع شابٌّ من قرية أبو حردوب يده ونفذ عمليةً انتحاريةً بعد ثلاثة أيامٍ في العراق.

يُنقل المبايعون من بين التائبين إلى دوراتٍ خاصة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الانتحاريين الذين يصعب العثور على شهاداتٍ عن طرق تحضيرهم، التي تقوم بالتأكيد على التحريض والاستهانة بآلام التفجير والإيهام بالانتقال الفوريّ إلى الجنة. ومرّةً، حسب ما يقول علي، وهو تاجرٌ تائبٌ نجح من الفرار بعيداً عن أرض داعش، تحدث الشرعيّ أبو خديجة التونسيّ عن الحوريات اللاتي رآهن استشهاديٌّ قبل أن يفجر نفسه بلحظات، دون أن يجرؤ أحدٌ على سؤال أبو خديجة عن مصدر معرفته بهذه الرؤية.

تترك الدورات الشرعية المغلقة آثاراً هائلةً في أنفس الخاضعين لها، لكن، ومع مرور الوقت في الحياة الطبيعية بعد الدورة، تتلاشى هذه الآثار. يقول عبد الهادي من مدينة الميادين إنه، وبعد 40 يوماً قضاها في الدورة، قد أسلم حقاً وتخلص من الشرك، فكفّر أشقاءه وأقاربه الذين سافروا إلى أوربا وعزم على بيعة داعش، قبل أن يهدأ يوماً إثر يوم، ويرجع إلى عمله بتجارة الدخان.