في دمشق.. تتمدد إيران كالسرطان في الفضاء العام والاعتراض على التفاصيل فقط

الجامع الأموي في دمشق - متداولة

ينبئ حضور اللافتات الخضراء والسوداء ذات العبارات الكربلائية في أسواق العاصمة دمشق وأماكنها العامة، والأنغام اللطمية في الثقافة الموسيقية المسموعة، بالغياب الذي تقاسيه الجماعات الطائفية "المنتصرة" على أرض الواقع، كذلك ينبئ بتحول الإملاءات السلطوية من الولاء لرأس النظام وهرمية السلطة الذي يستدعيه، إلى الولاء لرؤوس متعددة قاتلت معه وتقاسمه اليوم عاصمة البلاد.

لم تعد تلك الرائحة المميزة لزوار المراقد الحسينية والمزارات الشيعية بدمشق محصورة فقط بمنطقة المزار، بل تشمل اليوم مختلف الأحياء الدمشقية؛ ولم تعد العبارات الخاصة بالتدين الشيعي حكراً على هذه المراقد فقط، بل غدت شعارات وعبارات "يا حسين" و"لبيك يا زينب"، زينة لواجهات المحلات وبلور السيارات.

وفي الطرقات انتشرت مشاهد النسوة اللائي يرتدين الجلباب الأسود الخاص بالإيرانيات، وفي المقاهي بات سماع اللطميات الإيرانية أمراً اعتيادياً، مع انتشار المعاهد التي تعلم اللغة الإيرانية بأسعار رمزية، إضافة إلى استقطاب الشخصيات العلمية الدمشقية. 

أنغام حسينية

تنتشر الأغاني اللطمية الخاصة بالشيعة والتي تحتوي على جملة موسيقية ثم يأتي بعدها وقفة قصيرة يلطم بها الحضور على صدورهم، في مقاهي دمشق ومطاعمها وأماكنها العامة بشكل واضح؛ حتى الإذاعات الرسمية باتت تبث أغاني قريبة من هذا النمط ضمن أغاني تمجيد بشار الأسد، ومن أشهرها أغنية "يريدون رحيلك".

 وفي دمشق، حيث نمت بشكل فاقع كل مظاهر احتلال المجال العام منذ سنوات، تصادف اليوم من ما زال يجد في نفسه القدرة على التعبير عن تبرم وسخط من الإلحاح -فحسب- بفرض هذا الإيقاع المكرور. يقول أبو يوسف "أصابني القرف من هذه الأغاني التي يضعها أصحاب المطاعم. تذهب لتروح عن نفسك وتستمتع بنغم أصيل وفن راقٍ، فيقوم أصحاب المطعم بوضع أغان لم أكن أسمعها إلا على قناة الكوثر. يزجون هذا النغم الرتيب في عقولنا بشكل إجباري". 

محلات الأوقاف

تمتلك وزارة الأوقاف عقارات ومحلات خاصة بها تشرف على تأجيرها، بحيث يعود ريع هذه العقارات والمحلات إلى الأوقاف، ويصرف في الحفاظ على أملاك الوقف من مساجد ومدارس.

وتلاحظ الأيادي الإيرانية على واجهات محلات سوق الحميدية التابعة للأوقاف  من خلال انتشار عبارات "يا حسين" و"يا علي" على واجهاتها، بعد أن عمدت وزارة الأوقاف إلى تأجير تلك المحال لتجار إيرانيين، كما يوضح فراس من مدينة دمشق. "لقد أصبحت منطقة سوق الحميدية والمسجد الأموي محاطة بسور أمني يطلب منك البطاقة الشخصية للدخول إلى السوق"، وهي مناسبة يومية لدفع دمشقيين كثر للشعور بأنهم "غرباء في أوطانهم" بالمعنى القريب والمباشر للعبارة، لكن دون الوقوف كثيراً عند الأمر.

المراقد الشيعية تتوسع

توسعت المراقد الحسينية في دمشق بشكل ملحوظ، إذ عمل القائمون عليها مع الأيام على شراء الأراضي حول المرقد وإنشاء توسعة له ووضع أسوار عالية وحراسة.

زهير من دمشق لفتت نظره توسعة مقام رقية الكائن خلف المسجد الأموي، وأبدى استغرابه من أن يفسر أحد حراس المرقد مسيره في الطريق الواصل إلى باب توما، بأنه نية لزيارة المرقد، لذلك أوقفه للاستيضاح.

فخارة في المسجد

تعد الصلاة على الفخارة من الأمور المميزة للعبادات والطقوس الشيعية، فالتراب الذي يصنع منه هذا الفخار من قبر الحسين وفقاً لاعتقاد معتنقي المذهب، كما أن للصلاة على هذه الفخارة ثواب عظيم.

وفي مساجد دمشق ومصلياتها بدأ انتشار الصلاة على الفخارة، بحسب ما يوضح أمجد أحد طلاب جامعة دمشق، لكن المفاجئ في الأمر أن يتفاجأ أمجد: "بعد أن أنهيت صلاتي في مصلى الجامعة تفاجأت بها.. شعرت بالصدمة، فهذا شيء جديد على دمشق"، بعد سنوات طويلة من النمو السرطاني للوجود الإيراني وأتباعه.