عن اختطاف دواعش علمانيين!

بعد منتصف ليلة الثاني والعشرين من شهر نيسان من العام 2014، وبعد خلو شوارع وأزقة مدينة دير الزور في قسمها المحرر من الناس، اقتحم مسلحون ملثمون أحد منازل حي الحميدية، كان يسهر فيه ناشطون في المجال المدني، واقتادوا جميع من في المنزل وعددهم خمسة أشخاص، بينهم ضيوف، إلى سيارة (فان) سوداء كانت قبالته، انطلقت بهم السيارة إلى مكان مجهول بعد تقييدهم وأخذ جميع محتويات المنزل من أجهزة الحاسوب والهواتف النقالة، وسط تمتمة أحد العناصر باللهجة التونسية «بدكم ديمقراطية؟» «تلتقوا مع بنت اسمها دانا!».

 كنت أحد المحتجزين في السيارة، ولم أملك حينها سوى التساؤل مع البقية: من هي دانا؟ ولكنا لم نجد جواباً ضمن هذا الصمت الرهيب المطبق تحت قوة السلاح. ومنعاً لرؤيتنا المكان الذي يقصده المسلحون ربطوا قطع القماش على عيوننا، وكمموا أفواهنا، بالمعنى الحرفي للكلمة، تجنباً لإصدار الأصوات، فعرفنا أننا مخطوفون.

من شكل الغرف التي خصصت لتكون سجوناً منفردة، عرفنا أن المكان الذي اقتادنا المسلحون إليه هو بناء مديرية التأمينات (أحد الأبنية الحكومية وسط المدينة). وكان قد اقتيد إليه قبل دقائق أحد الأصدقاء من منزله في ليلة زفاف أخته. مع العريس الذي اصطُحِب معه إلى السجن مصادفةً نتيجة وجوده في المنزل، كحال ضيوفنا. ما طمأن الضيوف في السجن أو أرعبهم، كلام أحد العناصر إليهم، رغم أن جملته الوحيدة كانت : «حظكم السيء جابكم لهون».

انحصر تفكيرنا في الجرم الذي اشتركنا فيه جميعاً، دون أن تغب عنا محاولة التفكير بطريقة مشابهة للطريقة التي تفكر بها جبهة النصرة، وقد عرفنا أن الجبهة هي الجهة المختطفة من خلال التعرف على الديري (أبو سعد الهيئة) الذي كان في صفوف الجبهة، وانضم إلى داعش لاحقاً. وعلى التونسي (أبو عبد الرحمن) الذي اكتشف أننا نلتقي بدانا، ولكن من هي دانا؟ وما الذي يجمعنا سوى جلساتنا المشتركة، والمظاهرات الأخيرة التي طالبنا فيها بتوحيد فصائل الجيش الحر!.

بعد الفجر نقلنا بطريقة تليق بمختطفين، مقيدي الأيدي ومطمشين، إلى سيارة بدت لارتفاعها بيك آب كبير، أو شاحنة صغيرة، وأجبرونا على الاستلقاء على أرضيتها بطريقة جعلتنا نفهم أنهم يريدون إخراجنا من المدينة، دون أن نثير انتباه أحد الحواجز أو عناصر الفصائل الأخرى. واقتادونا إلى منطقة، عرفنا فيما بعد أنها المعامل، وتبعد عن المدينة 10 كم، تتجمع فيها معامل السكر والغزل والحلج ومطاحن الحبوب. وضعوا كل واحد منا في غرفة مستقلة، ورغم أنهم أبقونا مقيدين ومعصوبي الأعين لمدة ستة أيام، لكن ذلك لم يمنعنا من التعرف على قذارة المكان. وزادوها بمعاملة سيئة، فلم يُسمح لنا حتى بالوضوء والاغتسال، ولم يجروا خلال تلك المدة أي تحقيق أو مساءلة، سواء بخصوص الديمقراطية، أو تلك اللقاءات التي جمعتنا بدانا.

فيما بعد، عرفنا أن الشارع المحلي بدأ بالغليان في اليوم التالي لحادثة الخطف، فعملية اقتحام عناصر الجبهة حفل الزفاف، دون مراعاة لحرمة المنزل وخصوصية النساء، ولدت حنقاَ شعبياَ ازداد بعد أن تم التأكد من اختطافنا لدى نفس الجهة، ما دفع الأهالي للخروج بمظاهرة كبيرة برفقة الجيش الحر، توجهت إلى مقرات الجبهة والهيئة الشرعية، حيث طالبوا بالكشف عن مصير المخطوفين.

أنكرت النصرة حينها مسؤوليتها عن الحادثة، إلا أنها أجبرت تحت الضغط الشعبي على إرجاعنا للمدينة، وتسليمنا للهيئة الشرعية التابعة للنصرة كذلك، بشكل أو بآخر، والتي زاد الضغط عليها حربها مع تنظيم داعش على تخوم المدينة. في تلك الفترة كان يرأس الهيئة الشرعية أحد عناصر الجبهة ويدعى (أبو الزبير). كان الأخير يؤيد النظام في بدايات الثورة، وأول الذي طلبوا التوبة لدى داعش عند تمددها في المحافظة. أخبرنا أبو الزبير عند الإفراج عنا أن تهمتنا العلمانية والدعشنة! لكن ما بقي محيراَ هو علاقتنا بدانا؟. لم نعرف الجواب عن ذلك إلا بعد عودتنا إلى المنزل، حين لم نجد تفسيراَ لتهمة التونسي إلا بأن نظره قد وقع، أثناء مداهمة المنزل، على كتيب دعائي ملقى في الزاوية لمعكرونة دانا.