- الرئيسية
- مقالات
- رأي
عملية «الاكسبريس السوري» .. كيف احتلت روسيا سوريا
وفقاً للبيانات، تنقل روسيا آلاف الأطنان من الشحنات إلى سوريا كل شهر. ففي كانون الأول 2015، بعد عدة أشهر من بدء التدخل الروسي، قال وزير دفاعها سيرغي شويغو إنه خلال شهرين تم نقل 214 ألف طن من المواد المختلفة عن طريق الجو والبحر. في عام 2016 قال إنه تم إرسال ألفي طن من المواد يومياً إلى سوريا.
في صيف وخريف عام 2015، بدأ تدفق الإمدادات العسكرية واللوجستية من روسيا إلى سوريا. حصلت هذه العملية على اسم غير رسمي وهو "الاكسبريس السوري"، المأخوذ من "اكسبريس طوكيو" الذي استخدم فيه الأدميرال تاناكا سفناً غير مهيأة أصلاً لنقل المواد العسكرية، ليتمكن اليابانيون بمساعدته من تحقيق التكافؤ مع قوات الحلفاء عام 1942.
اعتبر "الاكسبريس السوري" أكبر عملية عسكرية تقوم بها روسيا خارج أراضيها، منذ مشاركة الاتحاد السوفييتي في الحرب الأفغانية. ويمثل الرحلات المنتظمة لسفن الإنزال والطائرات الروسية إلى سوريا من أجل توفير الأسلحة والذخيرة والعتاد لقواتها الاحتلالية وللجيش الأسدي؛ لأنه لا توجد حرب ممكنة بدون إمدادات كافية. من خلال كثافة الشحن واستمراريته منذ سنوات، يظهر أن روسيا قد قررت احتلال سوريا لنصف قرن أو أكثر. لا غرابة في ذلك إذا سمعنا فيكتور أوزيروف، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الاتحاد الروسي، وهو يصرح: "لقد جئنا إلى سوريا بجدية ولفترة طويلة".
البدايات
بدأوا يتحدثون عن "الاكسبريس السوري" قبل فترة طويلة من بدء الحملة العسكرية الروسية في سوريا، ففي 11 كانون الثاني 2012، أوقفت سفينة "شاريوت" المملوكة لشركة ويستبرغ المحدودة والتي حملت علم دولة سانت فنسنت وجزر غرينادين، في ميناء ليماسول القبرصي، وبعد تفتيشها وُجد على متنها كميات كبيرة من الذخيرة.
وعلى الرغم من الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على إمدادات الأسلحة إلى سوريا، سمحت السلطات القبرصية لـ "شاريوت" بمواصلة الرحلة بشرط أن تقوم بتغيير مسارها. كانوا يتوقعون أن تذهب إلى تركيا؛ لكن السلطات هناك أعلنت وصول السفينة إلى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، حيث أزيلت الأجهزة التي توزع الإشارات حول موقعها.
في حزيران 2012، أوقفت قبالة ساحل اسكتلندا سفينة "العايد" المتجهة إلى سوريا، والمملوكة لشركة شحن روسية وتحمل علم كوراساو، بسبب عدم وجود رخصة تأمين. وذكرت التقارير وقتها أنه أثناء البحث تم اكتشاف ثلاث مروحيات هجومية من نوع Mi-25؛ لكن رغم ذلك سمح لها بالمغادرة، لتصل إلى وجهتها المقصودة.
بدأت موسكو -نتيجة ذلك- استخدام سفن الإنزال العسكرية لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات وما لا ترغب وزارة دفاعها في ظهوره علناً، والتي يعد الهجوم عليها، من وجهة نظر قانون البحار، بمثابة هجوم على البلاد؛ ويستحيل قيام دول ثالثة باحتجازها أو إخضاعها للتفتيش. لكن كانت هناك مشكلة أولية تتلخص في نقص وسائل النقل البحري الروسي، لأن قدرات سفن الإنزال الكبيرة لم تكن كافية للتزويد بالإمدادات الخارجية. لذلك، تم الحصول على السفن وناقلات الحاويات المدنية القديمة على وجه السرعة ودمجها في الأسطول المساعد للبحرية الروسية.
سيناريو العملية
تخرج السفن من قواعدها في موانئ سيفاستوبول ونوفوروسيسك على البحر الأسود محملة حتى آخرها، ثم تمر عبر مضيق البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط إلى شواطئ سوريا، حيث تفرغ حمولتها في ميناء البيضاء شمال مدينة اللاذقية وذلك لأسباب تتعلق بالسرية؛ لكن بعد بداية الحملة العسكرية الروسية أخذت تفرغ عند نقطة الدعم المادي والتقني الروسية في طرطوس. وفي خريف عام 2016 أطلق المهندسون الروس خط سكك حديدية من طرطوس إلى قاعدتهم العسكرية الجوية في حميميم، مما سهل إلى حد كبير نقل المعدات من الساحل.
المسار البحري
استُخدمت في البداية سفن إنزال كبيرة تابعة لأسطول البحر الأسود: "آزوف"، "قيصر كونيكوف"، "يامال"، "نيقولاي فيشنكوف"، "نوفوتشركاسك"، "كوروليف"، و"ساراتوف". وقد استقبلت القاعدة في طرطوس سفينتين على الأقل من هذه السفن كل شهر، وكل واحدة منها قادرة على حمل ما يصل إلى 12 دبابة وناقلة أفراد مدرعة، و340 جندياً، و500 طن من المواد المختلفة.
ثم استخدمت سفن أسطول بحر البلطيق: "ألكسندر شابالين"؛ وسفينتا الأسطول الشمالي ـ "ألكسندر أوستراكوفسكي" و"جورج المنتصر" ـ للقيام برحلات إلى سوريا. كما شاركت في العملية سفن الإنزال الكبيرة من مشروع 1171، حيث استخدمت ثلاث سفن: "ساراتوف"، "نيقولاي فيلكوف"، "نيقولاي فيلتشنكوف". وكل واحدة منها قادرة على حمل ما يصل إلى 20 دبابة، أو 45 ناقلة جند مدرعة، أو 50 شاحنة، و300-400 مظلي. ويمكن أن تحمل السفينة منها ما يصل إلى 1000 طن من المواد المختلفة، وتصل القاعدة في طرطوس سفينة واحدة على الأقل كل شهر.
وفقاً لمصادر تركية، فإن سفناً أخرى قد شاركت أيضاً في عملية "الاكسبريس السوري": "دفينيتسا 50"، "جيزيل 60"، "فولوغدا 50"، "قازان 60"، وسفن ذات حاويات كبيرة السعة: "سبارتا 1"، "سبارتا 2" و"سبارتا 3".
أحد سفن الشحن سفينة "نوفوروسيسك" التي لا تنتمي مباشرة إلى روسيا، بل تعود ملكيتها إلى تركيا. بيعت سابقاً إلى جمهورية بالاو التي تقع في مكان ما بين إندونيسيا وأستراليا؛ ومن ثم ظهرت ضمن سفن الأسطول الروسي المساعدة؛ ومع ذلك يمكن رؤية آثار الأحرف التركية على جسم السفينة الخارجي وقد طليت بالدهان على عجل.
تولت تركيا ضمان سلامة مرور السفن الروسية عبر مضيق البوسفور، خاصة بعد اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف. في هذا الصدد كتبت وسائل الإعلام أن أجهزة الاستخبارات في البلاد تراقب 146 نقطة على الساحل في طريق عبور السفن الروسية، حيث يمكن شن هجوم إرهابي بطريقة أو بأخرى، وأن جميع سفن روسيا في المضيق اصطحبت بقاربين من خفر السواحل التركي ومروحية تابعة للشرطة. لكن في العديد من الصور الفوتوغرافية لمرور السفن الروسية عبر مضيق البوسفور، لم تلاحظ أية مرافقة عسكرية تركية.
على موقع Turkishnavy.net يمكن العثور على سجلات تدل على حقيقة ظهور كل سفينة في مضيق البوسفور. مثلاً: منذ بداية عام 2017 حتى نهاية أيار من نفس العام، مرت 83 سفينة روسية عبر المضيق. لكن بالنسبة للناقلات وسفن الشحن الأخرى، فمن الصعب تقدير العدد الذي ذهب إلى سوريا خلال الفترة الماضية، حيث تستخدم روسيا تقليدياً هذا الطريق البحري لنقل البضائع إلى أوروبا.
ليس من المستغرب أن السفن حققت أكبر عدد من الرحلات في النصف الثاني من عام 2015 والنصف الأول من عام 2016، فخلال هذه الفترة كانت هناك حاجة ماسة إلى النقل السريع للقوات الروسية وتجهيزها. في وقت لاحق انخفض حجم حركة المرور، لكن "الاكسبريس السوري" استمر بالعمل في وضع منتظم.
المسار الجوي
أُجري أكبر عدد من الرحلات الجوية في 2015-2016، لكن انخفض عددها عدة مرات في الأعوام الماضية. وقد تم تفعيل المسار الجوي -إضافة إلى البحري- لأن عنصر الإمداد عبر الجو أمر بالغ الأهمية عندما تحتاج إلى تسليم شحنة أو أخرى في أسرع وقت ممكن. استخدمت لهذا الغرض طائرات من نوع "An-124"، و"Il-76"، و"An-72"، و"Tu-154".
يصل الشحن من روسيا إلى قاعدة حميميم، وإلى مطار دمشق يومياً تقريباً. وبواسطة طائرات "An-124" بالذات تم إيصال قاذفات مجمع صواريخ "S-400"، أثناء بدء الحملة في عام 2015. لكن الأجزاء الرئيسة وصلت إلى قاعدة البحرية الروسية في طرطوس عبر حاويات سفينة "سبارتا-3" الثقيلة، كما تقول جهات إعلامية.
كذلك تم نقل مروحيات متعددة الأغراض وشحنات كبيرة أخرى. وتستخدم الطائرات من نوع "An-72" في قاعدة حميميم للنقل الداخلي (إلى دمشق وحلب)، ولا سيما الزوار والموظفين والمستشارين والقوات الخاصة المهمة، ولكن الشحنات القيمة تصل من روسيا عن طريق طائرات "Tu-154".
لا أحد يعرف على ماذا اتفق الأسد مع الروس كي يدخلوا الحرب إلى جانبه ويساعدوا قواته المنهارة؛ لكن الوقائع على الأرض تدل على أنه وضع سوريا كلها تحت تصرفهم ليستبيحوها كيفما شاءوا، مقابل أن ينقذوه من سقوطه الحتمي ويعود متربعاً على جزء من عرشه الدموي، حتى لو كان الثمن قتل الناس وتهجيرهم وتدمير مدنهم وقراهم باستخدام الأسلحة الروسية.