على ماذا اعتمدت «قسد» في تشكيل المجالس العسكرية

شكَّلت "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" مؤخراً مجالس عسكرية في كافة المناطق الحدودية مع تركيا الممتدة من ريف الحسكة مروراً بمناطق الرقة وصولًا إلى شمال شرقي حلب، وذلك بغية إعادة هيكلة قواتها -كما أعلنت- بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدعم وإشراف من التحالف الدولي، والذي حسم مسألة تواجده الطويل الأمد في سوريا. فما هو منطق التشكيل العسكري، وعلى ماذا اعتمدت قسد في تشكيل المجالس؟.

يرى عبد الوهاب عاصي، باحث في مركز جسور للدراسات، أنَّ منطق التشكيل العسكري لقسد، هو تمكين المركزية العسكرية والأمنية للمناطق وفق قطاعات جغرافية، بما يُعزِّز من القدرة على اتخاذ القرار وسهولة تنفيذه، ويُساعد على ملاحقة تنظيم داعش في مرحلة نشاطه الأمني شرق الفرات، بالإضافة إلى إعطاء طابع الاستقرار للمنطقة من خلال توسيع صلاحية المكوّن العربي داخل قوات قسد، أي "إشراك القيادات المحلية في اتخاذ القرارات بشكل أقوى"، لكن دون منحهم الصلاحية كاملة.

ويُضيف عاصي، أنَّ هناك أسباب أو دوافع أخرى مثل "تهيئة الظروف لاحتمال إقامة منطقة آمنة". موضحاً أنَّ قسد اعتمدت في تشكيل المجالس العسكرية على جانبين، الأول هو رغبة التحالف الدولي ودول عربية بتوسيع صلاحيات ومشاركة المكوّن العربي في بنية قسد، والثاني هو الإبقاء على تمثيل القيادات المحليّة مقتصراً على النصف، على أن تحتفظ وحدات الحماية والإدارة الذاتية بالنصف الآخر.

مصطفى بالي، مدير المكتب الإعلامي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" قال لعين المدينة، أن التشكيلات المكونة لقسد "ستبقى" مثل "وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ والكتائب السريانية والكتائب الآشورية والعشائر العربية"، وهذه التشكيلات ستنضم إلى المجلس العسكري المُشكَّل في مناطقها، فالمجالس العسكرية هي الصيغة الجديدة من آلية تنظيم هذه القوات.

وأضاف، "مقاييس اختيار أعضاء المجالس العسكرية تعتمد على القادة والعناصر المحليين، فسابقاً كان هناك اتهام لقسد بتولي معظم القيادات من المكون الكردي، وهذا صحيح، فطبيعة عملهم وخبرتهم جعلتهم يتولون القيادة، وبعد أربع سنوات من تحالف العشائر العربية والآشور والأكراد في وحدات حماية الشعب ثم قوات سوريا الديمقراطية. وبعد انشقاق بعض الكتائب من الجيش السوري الحر، وبعد انتهاء المعارك مع داعش، هناك خطة لإعادة هيكلة هذه القوات، لا سيما بعد اكتساب القادة المحليين خبرة فائقة بالقيادة والحروب خلال سنوات القتال ضد داعش".

ورأى البالي أنَّه وبعد اكتساب الخبرة، بات قادة كل مدينة أو منطقة في شمال شرقي سوريا بإمكانهم قيادة المعارك المحتملة، "فالقيادات الكردية لم يعد لها حاجة، وسيكون هناك تشاركية ورئاسة مشتركة، وكلّ شخص ينطلق من منطقته، وليس بالضرورة أن يكون من قومية واحدة أو حزب واحد" حسب تعبيره.

يشكك ناشطون من الرقة يعيشون في تركيا بنوايا قسد في إشراك المكون العربي وتمثيلهم تمثيلاً صحيحاً، ويضرب أحدهم مثالاً على ذلك شخصية فرحان العسكر الذي تسلم قيادة مجلس الرقة العسكري المشكل حديثاً، إذ يرى أن اختياره جاء منسجماً مع علاقاته القديمة بالإدارة الذاتية وانتمائه لوسط عشائري في مناطق شمال غربي الرقة ساعده في وقت سابق أن يشكل "لواء الجهاد في سبيل الله"، الذي تحول إلى "لواء أحرار الرقة" لاحقاً في محيط الصوامع والأقطان في عين عيسى، ويرجح الناشط وجود علاقة بين زيارة الوزير السعودي السبهان إلى المنطقة وتصدر العسكر المشهد التنظيمي لصفوف قوات قسد في الرقة.

وكان مظلوم كوباني، قائد قسد أعلن عن نيتهم تشكيل 15 مجلساً عسكرياً، وذلك مع وصول عدد مقاتليهم إلى 70 ألف مقاتل، منهم 30 ألف مقاتل حرس حدود، و5000 قوات خاصة، وما تبقى منهم ضمن الأفواج العسكرية.
الباحث في مركز عمران للدراسات بدر ملا رشيد، أكد لعين المدينة أن عدد عناصر قسد المذكور "حقيقي تقريبًا، بالإضافة لقوات الأمن". موضحاً أنَّ قسد تهدف من إنشاء المجالس مؤخراً إلى "تحويل هرمية قواتها من الحالة المجموعاتية لحالة التشكيلات العسكرية، للدخول لمرحلة الاستقرار والتنظيم العسكري، والتجهيز لأيَّة عملية دمج عسكرية مع قوات البيشمركة أو الجيش السوري المستقبلي، وأن تكون جاهزة لدمج القوَّات القادمة إن حدث في المستقبل ليس ككتل إنما كأفراد، والبدء بإعداد ضباط لتجاوز الحاجة الحالية وإضفاء الطابع التنظيمي بما يُزيل مخاوف الدول الجارة".

بينما ذكر فراس علاوي، مدير موقع الشرق نيوز، لعين المدينة، أنَّ قسد "عملت على إعادة هيكلة قواتها بما يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية والدعم السعودي المتوقع" وبذات الوقت لكسب الحاضنة الشعبية والاجتماعية العربية، حيث عملت على دمج ألويتها ضمن مجالس عسكرية ذات قيادات عسكرية جديدة، لكلٍّ منها دور محدد في منطقة سيطرته، وكذلك تمَّت مراعاة المكوّن العربي في المناطق العربية. معتبراً أنَّ هذه التغييرات تأتي أيضاً في ظل الحديث عن حوار أمريكي - تركي حول المنطقة الآمنة على الحدود السورية التركية.

جاءت خطوة إنشاء المجالس العسكرية بعد تغيير الاستراتيجية الأمريكية وتأجيل الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات بعيد ما سُمي هزيمة داعش في المنطقة، وبعد الظهور الواضح للدور السعودي مؤخراً، الذي أعقب موجة احتجاجات وتوتر مع الحاضنة الاجتماعية العربية والناتجة عن سياسات قسد الإدارية والأمنية والفلتان الأمني.

ويتألف المجلس العسكري من قيادات محلية وقادة للألوية وقادة للأفواج إلى جانب مسؤولي المكاتب العسكرية بالمنطقة، ويمثل المجلس "مركز اتخاذ القرار الصحيح لبناء سوريا حرة ديمقراطية"، ومن بين الأهداف الأساسية للمجالس "توحيد جميع القوات العسكرية والأمنية تحت مظلتها مما يعزز خوض نضال موحد ضد الإرهاب، وتجذير العمل المؤسساتي في قسد بتفعيل المؤسسات العسكرية وتمثيلها في المجلس بشكل أكبر، وإشراك القيادات المحلية في آلية اتخاذ القرارات بشكل أقوى"، وفقًا لبيان تشكيل القوات في الرقة الصادر في العشرين من الشهر الماضي.

بدأت قسد بالإعلان عن تشكيل "مجلس تل أبيض العسكري" شمالي الرقة 14 حزيران الفائت، ويضم 450 عنصراً أغلبهم مجندين قسرياً، ومهمتهم حماية مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، بعدها بيومين تم تشكيل "مجلس عين العرب (كوباني)" شرقي حلب، وفي 18 الشهر ذاته مجلس الطبقة غربي الرقة، وبعدها لمدينة الرقة ثم مدن القامشلي وعامودا والحسكة، وتضاف إلى سابقتها من مجالس منبج، الباب، جرابلس، ودير الزور العسكرية.

ويأتي هذا مع تعزيز قسد لمناطق سيطرتها الحدودية مع تركيا بالقوات والعتاد، إذ استولت على 15 منزلاً غير مسكون في محيط مدينة رأس العين، وعدد من المنازل في بلدة الدرباسية شمالي الحسكة لتحويلها إلى نقاط عسكرية. وشوهد استنفار أمني لـقواتها في القرى والبلدات الحدودية مع تركيا بريف الحسكة نتيجة استمرار الجانب التركي بتثبيت نقاط واستقدام تعزيزات إلى الشريط الحدودي وسط غياب الدوريات الأمريكية من المنطقة.