صدى الانتخابات التركية في شمال غربي سوريا

يتفاعل السوريون من سكان إدلب وشمال حلب مع الانتخابات التركية بالنقاشات والخلافات والتوتر والانتظار، حيث لا يتوقف تأثرهم بها عند السياسة والاقتصاد، وإنما يتعداه إلى النسيج الاجتماعي الذي انقسم الناس فيه بين مؤيد لمرشح ما ومعارض له، وبين خائف من نتيجة الانتخابات وآخر غير مبال بما ستؤول إليه.

تتعالى الأصوات وتتحول جلسة النقاش بين أحمد الحمود وصديقه محمد خطاب كما جلسات سوريين كثر في المنطقة، إلى صراخ لتأكيد أحدهما على فوز رجب طيب أردوغان في حين يخالفه الرأي الآخر، الذي يدلي باستنتاجاته وآرائه لإثبات أن هذه الانتخابات مفصلية ولن يكون لأردوغان حظ فيها.

أحمد ممرض من ريف حماه الشمالي ونازح في إدلب، يقول "أنا مع حزب العدالة والتنمية بغض النظر عن مرشح الحزب، فقد نهض بتركيا نهضة لم يسبق لها مثيل منذ مئة عام، وأردوغان هو عرَّاب هذه النهضة، لا يمكن لنا أن نغطي الشمس بغربال. على الرغم من أنني سوري وفي الداخل السوري، فإني مهتم بالانتخابات أكثر من اهتمامي بانتخابات رئيس الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ، لأن الأمر يمس الشعب السوري المعارض بشكل كبير جداً".

أما محمد من ريف إدلب الجنوبي الذي يعمل مدرساً للغة الإنكليزية، فيرى أن الحال تغير عما كان عليه في الدورة الانتخابية السابقة، فلقد ضاق الأتراك ذرعاً بالسوريين في بلادهم، وتعالت الأصوات المنادية بترحيلهم، وتزايدت أعداد المؤيدين لهذه الفكرة التي استغلتها الأحزاب المعارضة في هذه الانتخابات للفوز بها. يقول "من وجهة نظري ستمثل هذه النقطة القشة التي ستقصم ظهر البعير في خسارة أردوغان، وفي النهاية يجب علينا أن نقرأ الواقع بموضوعية أكثر بعيداً عن العواطف".

وينتظر الأتراك والسوريون في تركيا والكثيرون في شمال غربي سوريا، نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين الحاصلين على أكبر نسبة تصويت في الجولة الأولى، وهما الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان مرشح تحالف "الجمهور" ومرشح تحالف "الشعب"  كليجدار أوغلو، لعدم حصول أي منهما على نسبة 50% زائد 1 للفوز بالانتخابات، التي ستجري الجولة الثانية منها في 28 أيار الحالي لتحديد هوية رئيس تركيا المقبل.

وفي الأثناء ينقسم السوريون في شمال غربي سوريا إلى قسمين آخرين بعيداً عن تأييد أردوغان أو معارضته، هما قسم خائف من خسارته الجولة الثانية وآخر لا مبال بنتيجة الانتخابات برمتها، رغم أن مسألة وجود السوريين في تركيا وتوغل الجيش التركي في سوريا يمثلان محوراً مهماً في استقطاب الناخبين.

"نحن نعتبر تركيا هي الحليف الأول لنا، ووجودها العسكري في شمال سوريا حمى المنطقة من الذهاب إلى سيطرة النظام وروسيا. أنا كمقاتل في صفوف الجيش الوطني خائف من خسارة أردوغان وفوز أحد معارضيه، على وجه الخصوص كليجدار المعروف بتصريحاته المعادية للثورة السورية".

هذا ما يقوله أحمد الشرتح أحد عناصر تشكيلات "الجيش الوطني" في شمال سوريا، و يضيف: "بالنظر من حولنا عسكرياً من أول نقطة محررة  إلى آخر نقطة جغرافية في المحرر تجد نقاطاً عسكرية للجيش التركي، بعضها على تماس مع مناطق سيطرة النظام أو قسد، ماذا لو انسحبت هذه النقاط أو توقف الدعم العسكري التركي للفصائل الحليفة لتركيا؟ إن مجرد التفكير بهذا الأمر يجعلني أنا والكثير من السوريين نشعر بالخوف لما ستؤول إليه الانتخابات".

أما الصيدلي يحيى المحمد من ريف إدلب الجنوبي يعتبر نفسه غير مبال بكل هذه المسألة. يقول "أي مكون سياسي أو مرشح سيفوز لن يغير بواقعنا السوري شيئاً، هذا ما يجعلني غير مبالٍ بنتيجة الانتخابات. أنا أرى أن الأمر متعلق في الدرجة الأولى بالأمن القومي التركي، فأي مرشح سيفوز سيكون في أعلى قائمة أولوياته الأمن القومي التركي، وسيخطو خطوات تفيد في تعزيز هذا الأمن؛ لو فاز أردوغان أو كليجدار أو حتى سنان أوغان، فلن يغير بالنسبة إلينا في الأمر شيء، فهي خطوط عريضة لسياسة الدولة ولا يمكن لأي مرشح أو تكتل سياسي تجاوزها أو التغاضي عنها".

ينوه يحيى بكون الواقع الحالي للداخل السوري هو شأن سوري في المقام الأول، وأن على السوريين أن يعملوا على أكبر قدر من الفصل بين قضيتهم والتأثر بالتغيرات التي تجري في الدول المجاورة، إن كانت تركيا أو لبنان أو أي دولة أخرى.

على الصعيد السياسي يرى الكثير من السوريين أن نتيجة الانتخابات ستؤثر على مستقبل منطقة شمال غربي سوريا. يقول الصحفي والناشط الإعلامي محمد بلعاس "الشارع الثوري في سوريا مهتم بهذه الانتخابات لأنها بالأصل مهتمة بالشارع السوري، فالأحزاب والمرشحون الأتراك جعلوا الملف السوري من أهم ملفات الانتخابات، بالتالي فإن هذه الانتخابات تحدد بشكل أو بآخر مستقبل المنطقة بشكل كامل. كلنا سمع أن كليجدار في حال فوزه سيبني علاقات قوية مع بشار الأسد وسيخرج من الأراضي السورية، هذا الأمر  يمس بشكل مباشر القضية السورية في الداخل على كافة الأصعدة".

ويتابع "هناك أسباب أخرى لتأثر المنطقة سياسياً بهذه الانتخابات، أهمها الحدود الجغرافية الكبيرة مع تركيا. كل اللوجستيات الطبية والإغاثية تدخل إلى المنطقة من تركيا".

من جهته يقول الخبير الاقتصادي نيبال قلعجي أن المنطقة في الداخل تتأثر بشكل كبير اقتصادياً كتأثرها سياسياً. ويضيف "الانتخابات مؤثر سياسي وأسعار العملات من المؤشرات الاقتصادية التي تتأثر بنتيجة المؤثرات السياسية. منطقة إدلب وشمال حلب تستخدم الليرة التركية،  وصعودها أو نزولها يؤثر في المنطقة إدلب كما يؤثر في أي ولاية تركية".

ويرى أن المنطقة يمكن لها أن تتفادى التأثر بالتغيرات الاقتصادية المرافقة للانتخابات عن طريق استخدام عملة مستقرة كالدولار أو اليورو، أو اعتماد عملة خاصة بشمال غربي سوريا رغم صعوبة الاحتمال.