- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
خطط الهروب من (سوريا الأسد) إلى المناطق المحررة
تبدلت الظروف منذ دفع مئات الأشخاص من مناطق نزوحهم في إدلب لمهربين من المنطقة كي يعودوا إلى أراضيهم ومحاصيلهم تحت سيطرة النظام، حتى صاروا اليوم يبحثون عن طرق لتهريبهم بالعكس، رفقة سوريين كثر تتولى شبكات التهريب في كل الأراضي السورية إيصالهم إلى المحرر، عبر طرق وأساليب متعددة.
فرح الشابان عمر وأحمد (16 و17 عاماً من مدينة درعا) بوصولهما سالمين إلى معرة مصرين شمال إدلب المحررة، بعد أن صادفتهما مغامرات كثيرة على الطريق أثناء تهريبهما. ويفيد أبو جابر (36 عاماً المهرب من قرية تلمنس) بأن شخصين كل أسبوع يتواصلان معه للقدوم إلى المنطقة عبر التهريب، بينما كان العدد في السابق لا يتعدى الشخص الواحد كل ثلاثة أسابيع تقريباً.
وعن سبب مجيء الشابين أحمد وعمر إلى المحرر يقول عمر الأصغر سناً: "لم يكن بوسع والدي أن يوفر مصروفنا الكامل بعد الغلاء الفاحش الذي حل بمناطق النظام، أبي لا يملك إلاّ راتبه التقاعدي 30 ألف ليرة سورية، فقررت أن أرافق صديقي إلى تركيا كي نعمل هناك ونرسل إلى أهلنا بعض المال يساعدهم في المصروف". بينما هرب صديقه بسبب الخدمة العسكرية التي سيكون مطلوباً إليها في الشهور القادمة.
يعترف عامر ببعض الصعوبات التي واجهتهم في الطريق، فقد كانوا خائفين من أن يعتقلهم أحد حواجز النظام ومن ثم يعيدونهم الى درعا. يقول: "بالرغم من أن المهرب طمأننا جداً قبل أن يتولى أمر تهريبنا، إلا أننا كنا خائفين"
يمتنع أبو جابر عن الحديث عن تفاصيل عملية التهريب، ويعتبرها "أسرار خاصة بالمهنة" حسب تعبيره، وبالرغم من ذلك صارح بوجود "تنسيق وتعاون" مع أشخاص آخرين داخل مناطق النظام يعملون بنفس المهنة من وإلى المناطق المحررة، من ضمنهم من أطلق عليها "رئيسة مكتب التنسيق" داخل أراضي النظام، ومهمتها حسب شرحه مساعدة طالبي التهريب "من الداخل".
أبوجابر يعمل في نوعين من التهريب: "تهريب عبر الخط العسكري" وهو مكلف إلى حد ما لأنه يعتمد على رشوة الضباط في حواجز النظام من أجل تمرير المهرّبين حسب قوله، وخط آخر "مدني" يحتاج إلى مال أقل لأن التهريب منه لا يحتاج إلى رشوة أحد، وهوخاص بغير المطلوبين والنساء. ونظرا لأن الشابين أحمد وعمر مطلوبان للخدمة العسكرية، فقد تم إخراجهما عبر الخط العسكري، الأمر الذي كلف 1600 دولار لكل واحد منهما، من مدينة درعا إلى مدينة سرمدا شمال إدلب.
لم يقتصر التهريب من مناطق النظام على الأفراد، بل تعداه ليشمل العائلات. أم محمد (50 عاماً) استطاعت العبور مع ثلاثة من أبنائها من حمص إلى مدينة أعزاز بكلفة 650 دولار فقط، لأنها غير مطلوبة لأجهزة النظام، بحسب أبو جابر.
تقول أم محمد: "كنت خائفة بعض الشيء أثناء سفري إلى هنا، لكن اتصالي مع المنسقة داخل أراضي النظام كان يعطيني شعوراً باﻷمان إلى حد ما، إذ كانت ترشدني إلى الكلمات التي يجب أن أقولها أثناء مروري قبل كل حاجز، على سبيل المثال عند حواجز خان شيخون كانت حجتي أني ذاهبة في زيارة إلى بيت خالتي في معرة النعمان، وعندما وصلت حواجز معرة النعمان لم تسألني الحواجز عن أي شيء".
بالرغم من أن أبو جابر يكتم الكثير من تفاصيل التهريب مثل مبالغ الرشى التي يدفعها لكل حاجز، إلا أنه يقول "في حالة أم محمد كان الحاجز الوحيد الذي اضطررنا أن نعطيه مالاً ليغض الطرف عنها هو حاجز معرة النعمان، لأنه لا توجد أي حجة أو منطقة بعد معرة النعمان تستطيع أم محمد أن تقنع الحاجز بأنها تنوي الذهاب إليها سوى مناطق المعارضة".
تعتزم أم محمد أن تستقر مع أولادها في المنطقة، على أن يلتحق بها زوجها وأولادها الباقون في مناطق النظام فيما بعد. وعن سبب مجيئها تشرح أم محمد الوضع السيء الذي هربت منه قائلة: "لم يعد بوسعنا تحمل الوضع المادي السيء هناك أكثر من ذلك، فراتب زوجي المدرس 75 ألف ليرة سورية لم يعد يكفي سوى لعشرة أيام، ولا نستطيع أن نشتري كل شيء على البطاقة الذكية، لذلك نضطر إلى شراء ربطة الخبز ب 1500 ليرة سورية وأسطوانة الغاز ب 50 الف".
تؤكد أم محمد أنها شاهدت الكثير من السوريين الذين يخرجون من مناطق النظام إلى الدول الأخرى من مطار دمشق الدولي، لكن المطلوبين غالباً يلجؤون إلى التهريب إلى المناطق المحررة، ومنها قد يكملون إلى الدول الأخرى مثل تركيا وأوروبا.
أبو مخلص من خان شيخون توجه منذ سنة تقريباً بطريقة التهريب أيضاً لجمع محصول أرضه وثم زراعتها، لكنه سرعان ما شعر بالندم بسبب تحكم قوات النظام فيه هناك، يقول "ظننت الأمر سهلاً عندما ذهبت إلى أرزاقي، وبأني أستطيع استغلالها لوحدي، لكن قوات النظام منعتني من ذلك، واشترطت أن تأخذ نصف المحصول، فلم أجنِ غير التعب للأسف".
أبو مخلص قرر العودة إلى المحرر حيث يسكن أولاده جميعهم، وهو يتواصل الآن مع أبو جابر المهرب لذلك.