عبد الصمد، مالك متجر (ريف درعا)

أحضر النظام قواته لتدمير درعا بالكامل. كل القرى المجاورة تظاهرت في تلك الجمعة، التي سميناها «جمعة كسر الحصار». أمسك النظام كل من كان هناك، وامتلأت الباصات بالمعتقلين. لم يفلت من الاعتقال سوى من استطاع الهرب. في وقت لاحق، أعادوا جثة حمزة الخطيب. حمزة أحد أبناء عمومتي، وهو بمثابة ابن لي. كان قد تم تعذيبه. لم يتركوا بقعة على جسده دون أن تطالها لسعات السجائر، وكان جسده ممتلئاً بالطعنات ورقبته مكسورة. كانوا قد قطعوا عضوه التناسلي. وصل جسده المدمَّى وشاهد الناس ما فعل به النظام. حينها أدركوا أن النظام كان منتهياً. انتهت الثقة به. كان وفدٌ قد ذهب للقاء الرئيس، الذي وعد أنه سيعالج همومهم. عوضاً عن ذلك، أرسل الرئيس لهم هذه الهدية؛ جثة حمزة. لقد كانت طريقة لإخبارهم: «إما أن تركنوا إلى الهدوء أو سنفعل هذا بكم». قبل هذه الحادثة كان لدى الناس بعض الأمل في أن النظام قد يصغي إلى مطالبهم ويحاول إجراء إصلاحات. بعدها أدركوا أنه في طرف والشعب في طرف آخر. هكذا هي الأمور في بلدنا. الشيء الوحيد الذي يعرف قادتنا فعله هو القتل، وليس مهماً إن كان من يقتلونه مدنياً أو طفلاً. زاد إيغال النظام في إرهابنا. لسان حاله كان يقول: «لن نقتلكم فحسب، سنقتل كل أفراد عائلاتكم أيضاً». سمعت أن الحكومة في بعض البلدان تعتقل الشخص المطلوب فقط، وليس شقيقه أو أمه أو أخته. في سوريا، العائلة بكاملها والحي بكامله متهمون ومستهدفون.

غيث، طالب سابق (حلب)

في أوج المظاهرات في جامعة حلب لعبت الفتيات دوراً كبيراً. كن يخبئن الأوراق واللافتات في معاطفهن الطويلة لأنهن لا يفتَّشن. جرى عددٌ كبير من المظاهرات في السكن الجامعي للطلاب الذكور، مما دفع السلطات إلى إغلاق هذا السكن. وحدات الطالبات فقط بقيت مفتوحة، لذا أخذن على عاتقهن مهام التنظيم وإيصال المعلومات. وعندما كانت قوات الأمن تهاجم المتظاهرين الشباب كانت الفتيات يعترضن طريقهم. ففي ذلك الوقت كان رجال الأمن ما يزالون يعتبرون لمس الفتيات خطاً أحمر.

أبو فراس، مقاتل (ريف إدلب)

اختطف الشبيحة أخي. بعد 18 يوماً أعادوه لنا مقتولاً نتيجة التعذيب. لا يمكن تخيل طريقة موته. أظافر قدميه كانت مقتلعة. عظامه اختُرقت بمثقب. كانت هناك علامات ضرب وحرق. كان أنفه مضروباً بشكل قاسٍ إلى درجة أنه أصبح مسطحاً. دفناه، وبعد حوالي 3 أشهر اتصل بنا بعض الشباب الذين أطلق سراحهم من السجن وأخبرونا أن أخي ما يزال حياً. كانوا معه في السجن. أما الجسد الذي دفناه فقد كان يخص شخصاً آخر. لقد كان مشوهاً إلى درجة أننا لم نستطع أن نميّز أنه كان لشخص آخر.

عابد، ضابط منشق (تدمر)

كنا أربعة ضباط في الجيش السوري، مع الثبوتيات التي تبين وضعنا. كانت لدينا حرية الحركة في كل أنحاء سوريا، واستخدمنا هذه الحرية في مساعدة المتظاهرين. كنا نوزع المساعدات الإنسانية والأطعمة والمواد الطبية على مناطق كانت بحاجة إليها. سيارتنا لم تكن تُفتَّش. عندما كنت أصل إلى موقع عسكري أو حاجز تفتيش كنت أبرز بطاقتي، فكان الجندي يلقي التحية ويقول: «احترامي سيدي. تقدم لو سمحت». عندما يكون المرء ضابطاً في الجيش السوري فهو فوق الجميع. يقف في طابور الانتظار؟ انسَ ذلك! هذه هي طريقة عمل النظام في سوريا. كنا نفهم ذلك. بدأت الثورة في آذار. بدأ المدنيون والمتمردون باستخدام السلاح في شهر آب. من البداية قلت لهم إن هذا النظام لن يرحل إلا بقوة السلاح. شئت أم أبيت، عليك أن تستخدم السلاح. في كل يوم كانت تجري مظاهرات سلمية وكان 5 أو 6 أو 10 أشخاص يموتون. كنا، بدون سلاح، في طريق مسدود. لا تنتظروا دعم الرأي العام العالمي لنا، علينا أن ننسى هذه الخزعبلات.

مع نهاية 2011 بدأت الأمور تضيق من حولنا. بدا كأن الضباط الآخرين يرتابون في وضعنا. في ذلك الوقت كنت في مهمة بعيداً عن قطعتي. ذات يوم أرسل الضابط القائد ملازما شاباً يطلب مني أن أعود إلى مكتبه. كنت مندهشاً لعدم اتصاله المباشر بي. طلبت من الملازم استعمال جواله. حالما وضعت يدي على الجوال وصلت رسالة. كانت من الضابط القائد نفسه الذي أرسل يطلبني. فتحت الرسالة وقرأت: «لا تدعه يغيب عن ناظريك. إننا قادمون لإلقاء القبض عليه». أجبت: «تلقيت الرسالة»، ثم مسحتها. أعدت الجوال إلى الملازم وشكرته. بعد ذلك أخذت حقيبتي وخرجت بأسرع ما استطعت. في الشهر التالي غادرت البلاد.

-----------------------------------------------------------------------------

شهادات للاجئين سوريين مأخوذة من كتاب «عبرنا جسراً فاهتز الجسر: أصوات من سورية» الذي أعدته وندي بيرلمان.