ثلاث أمنياتٍ لزوجة صفّ ضابطٍ في المخابرات العسكرية

في صالون حلاقةٍ نسائيةٍ، في أحد الأحياء التي ما زال يسيطر عليها النظام في مدينة دير الزور، كانت زبونات السيدة (م) متنوّعاتٍ، بين من تؤيّد نظام بشار الأسد ومن تعارضه معارضةً صامتة.

اعتادت السيدة (م) على هذا التنوّع، وتعلّمت كيف تخاطب الجميع وتكسبهنّ للعودة إليها مرّةً أخرى. وتعلّمت كذلك كيف تحصل على كثيرٍ من التسهيلات التي تنفع أفراد عائلتها عن طريق بعض زبوناتها من زوجات ذوي النفوذ، ومن دون أن تُحسب في عداد مؤيّدي النظام؛ رغم ما تقوم به أحياناً من دفاعٍ عن بعضهنّ أمام المعارضات مثلي، حين سألتُها همساً عن المرأة "الغربتلية" التي تتزيّن بمكياجٍ ثقيلٍ في هذا الصباح: "هاي أم زين. علوية. جوزها بالأمن العسكري، بس درويشة. وخَطيّة ما لها ضنا بعد عشر سنين زواج". وأضافت السيدة (م)، بعد أن طلبت منّا جميعاً أن نوافقها على شرب القهوة: "فقيرة –أي طيبة وبسيطة وضعيفة- وجوزها درويش زيدين. هوّ بالدير من زمان. ويساعد الناس. وبحياته ما آذى أحد". وهمساً أيضاً تواصل (م) تعريفي بزبوناتها اللاتي كنّ يتحدّثن عن البرد: "أم النظارات الطبية جوزها معتقل من سنة. وهاي بنتها، واليوم خطبتها. واللي شعرها مميّش أخوها شهيد وجوزها مؤيّد. وهاي المصروعة أم الموبايل اللي ما يوقّف بالدفاع الوطنيّ. من بيت .... وتقول اليوم قناة الدنيا راح تصوّرهم".
مع القهوة، تعدّدت المواضيع التي تحدثت بها النسوة، تعطيلٌ محتملٌ للمدارس بسبب العاصفة؛ داعش التي تدعمها كلٌّ من أمريكا والسعودية وتركيا وإسرائيل؛ الذكرى العاشرة لزواج أم زين، مع مباركاتٍ وأمنياتٍ حميميةٍ بأن يأتي العام القادم ويكون زين في أحضانها. وتتأثر المرأة التي تذكّرت أن زوجها الآن على جبهة المطار، وأنها بعيدةٌ عن أهلها في برمّانة المشايخ في ريف طرطوس، وأنها بلا أطفال: "أبَقَى أصبر يا ربّ... أبَقَى أصبر يا ربّ. أبَقى ترزقني شقفة ولد!". تأثرت النسوة جميعهنّ بمناجاة أم زين، وتعاطفن معها تعاطفاً أنثوياً خاصّاً، بمن فيهنّ زوجة المعتقل التي قد يكون أبو زين واحداً من الذين ألقوا القبض على زوجها. وهي تحديداً من قالت لها، وبإخلاصٍ، ورغم فارق السنّ غير الكبير بينهما: "الله كريم يا بنتي. خلي أملك بالله". واستأنفت أم زين مناجاتها: "يا ربّ تفرّحنا بصبي، وترجّع لي ابن عمي، وتحمي لي هوّ". وختمت أم زين مناجاتها العلنية في صالون الحلاقة بدعاءٍ عامّ: "ربّي تحمي دير الزور، وطرطوس، وسوريا كلا". ولم تتمالك زوجة المعتقل نفسها من المشاركة بالتأمين على الدعاء، رغم صدوره عن زوجة مجرمٍ وابنة عائلة مجرمين، كما ينظر معظم سكان دير الزور إلى منتسبي جيش الأسد ومخابراته.
ينشطر الحديث إلى أحاديث فرعيةٍ بين كلّ اثنتين من النسوة، متطوّعة الدفاع الوطنيّ تحاول إقناع أم زين بمرافقتها اليوم عصراً إلى مكانٍ ما. وزوجة المعتقل وابنتها وشقيقة الشهيد زوجة المؤيد ينشغلن بحديثٍ عن وفاة رجلٍ بالجلطة القلبية في الحسكة، وإذعان أبنائه للنصيحة بدفنه هناك، مخالفين وصيّته بأن يدفن في دير الزور، التي نزح عنها مع النازحين قبل عامين ونصف. وعثرت السيدة (م) بدورها على موضوعٍ خاصٍّ بنا نحن الاثنتين عن محاولات داعش المتكرّرة لاقتحام الجورة من جهة الغرب. ثم لم تلبث أن استعادت أم زين كمادةٍ رئيسيةٍ للحديث، بأن نبّهت إلى تأثيرات الرعب المحتملة إيجابياً في تحقق الحمل: "هذيك صار لها 18 سنة متجوّزة. نزل هاون ضربوه الجيش الحرّ ببيت جيرانهم، وحبلت بعد شهر. وهذيكياها هسّع عندها ولد صار عمره سنة". لمعت عينا أم زين فرحاً بقصّة حملٍ مثل هذه. وعلّقت متطوعة الدفاع الوطنيّ بأنها لا تستطيع أن تدعو لأم زين بأن يسقط هاونٌ قريباً منها، فردّت أم زين: "ادعي حبيبتي معلش. المهم يصير صبي كيف ما كان يكون". ثم أظهرت نزقاً مفاجئاً بجوّال المتطوّعة الذي لم يتوقّف عن الرنين على نغمة "دكتور العرب بشار... رئيس الجمهورية".
تحاول أم زين تقليد اللهجة الديرية. ولم ينقطع ودّها لمعارفها وأصدقائها من أهل دير الزور بعد اندلاع الثورة. ولم تسافر مثل غيرها من الزوجات الغريبات حرصاً على سلامتهنّ. لكنها لا تكفّ عن إبداء تعجّبها من معارضة بعض الناس لبشار الأسد، وتعجّبها من الطائفيين والطائفية التي تفرّقنا نحن الأخوة، بحسب ما تقول. وتستشهد بحبّها وحبّ زوجها لدير الزور، التي قضى فيها شبابه متطوّعاً في المخابرات خلال 17 عاماً كان "يخدم فيها الوطن"، على طريقته بالطبع.