تنظيم الدولة الإسلامية يعود إلى جباية الزكاة في الريف الشرقي لديرالزور

من إصدارات داعش المرئية

لم يمنع سقوط آخر معاقل تنظيم الدولة "داعش" في ديرالزور من عودة عناصره إلى فرض قوانينه عبر أكثر من طريقة، كان آخرها تحصيل مبالغ مالية تحت مسمى الزكاة من سكان الريف الشرقي الخاضع لسلطة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" في المحافظة، مستفيداً من حالة الانفلات الأمني، وخوف الأهالي من التنظيم والفجوة بينهم وبين قوات قسد.

منذ أن فقد التنظيم سيطرته على حقول وآبار النفط ومعامل الغاز الطبيعي التي كانت تعد مصدر تمويله الأساسي، وبعد توزع المتبقي من عناصره على جيوب في البادية، أو تغلغلهم بين السكان المحليين، كان لا بد له من تأمين مصدر تمويل يعوضه عما فقده، فاستفاد من بعض الارتخاء الأمني لدى قوات قسد بعد توقف المعارك، وتمكنت خلاياه المنتشرة في بلدات الريف الشرقي لدير الزور من العودة إلى الاعتماد على مصدر التمويل الثاني لديه، وهو الضرائب تحت مسميات عديدة.

لذلك ربما لم يعد مصطلح الخلايا النائمة يعبر عن حقيقة تواجد داعش في بلدات الريف الشرقي، بل بات عناصره ينشطون بحرية أكبر مستفيدين من الوضع الأمني المتردي، ومن الحساسية المفرطة بين قسد والأهالي منذ انتهاء معركة الباغوز. وقد أكد العديد من سكان هذه المناطق لعين المدينة، أن عناصر التنظيم -مع اقتراب موسم الحصاد- أبلغوا المزارعين وتجار المواشي بوجوب دفع "الزكاة"، خاصة في بلدات أبو حردوب، الجرذي، سويدان، درنج، الطيانة، الشحيل، ذيبان، حوايج ذيبان، الدحلة، جمة، طيبة الفال، ماشخ، الحصين والمعيجل. ونقل السكان أيضاً أن تنظيم داعش تبنى قتل المدعو عواد الصالح الذي وجدت جثته في قرية الجرذي الغربي، بعد اتهامه بانتحال صفة العمل لصالح التنظيم لسلب السكان باسم الزكاة.

يروي أحد سكان بلدة أبو حردوب لعين المدينة، أن عناصر التنظيم تركوا له مع زوجته في المنزل أثناء غيابه قصاصة ورقية مكتوبة بخط اليد جاء فيها "نحن الدولة الإسلامية.. يتوجب عليك دفع مبلغ قدره 90 ألف ليرة سورية زكاة أموالك خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، وسيعود إليك أحد الأخوة لاستلام المبلغ". وأكد أنه لم يجد مهرباً من دفع المبلغ المطلوب، خاصة بعد أن تلقى رسالة على الواتس آب لتأكيد موعد التسليم. وتابع قائلاً "لا يستطيع أحد أن يمتنع عن الدفع إذا تأكد أن الجهة التي طالبته هي بالفعل تنظيم الدولة".

ورداً على سؤال حول ما يمكن أن يحصل لو امتنع عن دفع المبلغ المطلوب، قال "ستتلقى رسالة أخيرة تنذرك بالقتل تتمثل بإلقاء قنبلة على منزلك، أو بوضع عبوة ناسفة أمام الباب، أما التوجه إلى الاحتماء بقوات قسد فسيجعلك عدواً للتنظيم، مع العلم أن هذه القوات لن تستطيع حمايتك في حال تجاوبت معك".

ويروي مواطن آخر من سكان بلدة ذبيان في المنطقة نفسها ما حصل له مع التنظيم. قال "امتنعت في البداية عن الدفع، وبعد أيام تلقيت اتصالاً هاتفياً أبلغني فيه المتحدث معي بأن عبوة ناسفة قد وضعت قرب باب منزلي، وهو الأمر الذي تأكدت منه بالفعل". وتابع "عندها قمت بالتواصل معهم وسلمتهم المبلغ المطلوب".

ويروي تاجر من البلدة نفسها أن عناصر تنظيم داعش طلبوا منه دفع 30 ألف دولار، في حين طلبوا 15 ألف دولار و20 ألف دولار من شقيقين له يعملان أيضاً بالتجارة. ويضيف "أبلغت المتصل بي بأنني أرفض الدفع، وبعد فترة وجيزة قامت خلية تابعة للتنظيم بالهجوم على منزلي وحصل اشتباك مع عناصر الخلية. وأمام هذا الواقع أجبرت على دفع المبلغ المطلوب وقلت لهم بأنني امتنعت في البداية ظناً مني بأنهم أفراد عصابة وليسوا من التنظيم".

أما طرق تسليم المبالغ المالية فهي "هوليوودية"، حسب قول أحد سكان المنطقة الذي يروي كيف يُطلب منه القدوم إلى مكان متفق عليه، وهناك يركن سيارته بانتظار سيارة تابعة للتنظيم تقله إلى مكان آمن بالنسبة إليهم، وبعد الانتهاء من تسليم النقود يعيدونه إلى سيارته.

ويؤكد جميع من تحدثت معهم عين المدينة أنهم حصلوا بعد الدفع على "إيصال دفع الزكاة"، إلا أنهم امتنعوا عن إظهار الإيصال خوفاً من ملاحقات تطالهم من قسد. وقد تراوحت مبالغ الزكاة التي فرضتها داعش على السكان العاديين ما بين 50 و100 ألف ليرة سورية، تم جمعها مرة واحدة حتى الآن. 

وإلى جانب أموال الزكاة، يؤكد السكان أن خلايا التنظيم تفرض مبالغ كبيرة على أصحاب الرساميل بدون مسمى "شرعي" يذكر لصفة هذه الأموال. أما حجم المبالغ المفروضة هذه المرة فيختلف، ويتراوح بين خمسة ومئة ألف دولار تشمل تجار النفط وأصحاب الحراقات، ووجهاء البلدات المتعاونين مع قسد، وأصحاب العبارات النهرية. وفي حين أن الزكاة تجمع لمرة واحدة، فإن المبالغ التي تفرض على مستثمري النفط تدفع مع كل تجديد لعقد الاستثمار الذي يحصل أحياناً أسبوعياً، حتى يمكن أن تصل قيمة المبلغ الذي تفرضه خلايا داعش على عقد نفطي واحد إلى 14 ألف دولار أمريكي في الأسبوع.

أحد المتابعين عن كثب لتطور وضع تنظيم داعش في الريف الشرقي لدير الزور، وهو من سكان هذه المنطقة، أكد لعين المدينة "أن هذه الاموال الضخمة التي تجمع لا تبقى بعهدة هذه الخلايا، بل تجمع لصالح خزينة التنظيم الذي يقرر كيفية التصرف بها حسب الأولويات التي يختارها في معاركه ضد قسد أو قوات التحالف أو قوات النظام وحلفائه"، معتبراً أن التنظيم "عاد بالفعل إلى العمل كما كان يفعل خلال دولة الخلافة".