تنظيم الدولة الإسلامية يتّبع سياسة العصا والجزرة لضبط الأمور في تدمر

آن برنارد وهويدا سعد/ نيويورك تايمز/ 28 أيار
ترجمة مأمون حلبي

بعد ساعاتٍ من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لتدمر، نفّذ مقاتلوه إعداماتٍ ميدانيةً وتركوا الجثث -من بينهم العديد من جنود النظام- في الشوارع. بعد ذلك، وفقاً للسكان، شرعوا يتصرّفون وكأنهم مسؤولو المدينة. فأصلحوا محطة الطاقة، وفتحوا مضخات المياه، وعقدوا اجتماعاتٍ مع الوجهاء المحليين، وفتحوا مخبز المدينة الوحيد وبدؤوا بتوزيع الخبز مجاناً. وعلى أعالي آثار المدينة غرسوا رايتهم. لم ينهبوا أو يدمّروا هذه الآثار على الفور مثلما فعلوا في مواقع أخرى.

تلا ذلك الكثير من الضربات الجوّية الحكومية، فقتل مدنيون جرّاءها، وهذا ما قدّم مساعدةً سياسيةً للتنظيم: في غضون أيامٍ أعاد بعض السكان توجيه تركز غضبهم وخوفهم من المسلحين على الأرض إلى الطائرات الحربية فوقهم. يناوب تنظيم الدولة الإسلامية بين ترهيب السكان واسترضائهم. فهو يستولي على المؤسّسات ويحاول أن يستوعب المعارضين للحكومة، مصوّراً نفسه كبطلٍ للشعب –أو، على الأقلّ، كبطلٍ للسنّة- ضد سلطاتٍ مركزيةٍ ظالمة. ساعدت هذه الطريقة داعش على تجذير نفسها في مدينة الرقة السورية والموصل العراقية، والآن تتكشف في تدمر.

تمّ الحديث عن سيطرة تنظيم الدولة على تدمر بالتفصيل من قبل عددٍ من السكان، من بينهم مؤيدون ومعارضون للحكومة، بالهاتف أو عبر الرسائل الإلكترونية. والجميع طلب عدم الكشف عن هويته الكاملة لتجنب الردود الانتقامية، إن كان من الحكومة أو من تنظيم الدولة. معظم هؤلاء قالوا إنهم عالقون بين تهديدات الضربات الجوّية الحكومية وعمليات قطع الرؤوس أو عمليات قتلٍ أخرى من قبل التنظيم. في يوم الأربعاء، على سبيل المثال، أبلغ بعض السكان أن تنظيم الدولة قتل عشرين جندياً حكومياً في المدرج الدائريّ القديم. آخرون تذكّروا رؤية جثثٍ لجنودٍ أُحرقوا أحياء أو قُطعت رؤوسهم من قبل المسلحين. "لقد قتلوا الكثيرين"، يقول مالك مقهىً عن التنظيم، ثم ينتقل إلى الغارات الجوّية التي يحمّلها المسؤولية عن موت عدّة أصدقاء له: "يعلم الله ما الذي يقصفونه، الأمر مرعبٌ للغاية!". عبّر البعض عن الدهشة من أن انتهاكات التنظيم ليست أسوأ حتى الآن، وفي الوقت نفسه كانوا قلقين من أن الجماعة ربما تمسك نفسها عن وحشيةٍ أشدّ سعياً وراء التأييد. "إنهم يعاملون أهالي تدمر كما لو أنهم قد أُسروا كدروعٍ بشريةٍ من قبل النظام"، يقول أحد أبناء المدينة الذي يعيش خارج سورية ويتلقى تحديثاتٍ يوميةً من أفراد عائلته في تدمر. دحام، أحد سكان المدينة، قال إن رسالة الجماعة إلى كلّ الناس، باستثناء المقاتلين الموالين للحكومة، هي: "لا علاقة لنا بكم. نعرف أنكم كنتم تحت سيطرة هذا النظام ولم يساعدكم أحد". هذا الأمر، حسب دحام، لم يكن متوقعاً. كان يخشى أن تنظيم الدولة سيعاقب تدمر لاقتراب سكانها من الغرب، هذا الاقتراب غير المتبصّر للعواقب، وعلاقتهم معه. لكن لا يوجد في تدمر منافسٌ مسلحٌ معادٍ للحكومة. ربما لشعورهم أنهم مهدّدون بدرجةٍ أقلّ، لم يقم مقاتلو التنظيم على الفور بمهاجمة النشطاء الذين يعارضونه ويعارضون الحكومة على حدٍّ سواء. أحد الناشطين قال إن لديه أقرباء من تنظيم الدولة وكان بمقدوره أن يجلس ويتكلم مع مجموعةٍ من المقاتلين. العدد الأكبر، قال، كانوا أجانب، مع قليلٍ من السكان المحليين وكثيرٍ من السوريين من كلّ أنحاء البلاد. كان طلبهم الوحيد هو أن يتخلص من سيكارته، قائلين إن بوسعه أن يدخن في منزله وليس أمام الملأ. "تحاول داعش أن تظهر شيئاً من اللين"، يقول هذا الناشط. "لكني لا أعلم إلى متى سيدوم ذلك". عندما سُئل عن نظرة السكان للتنظيم أجاب أن المدنيين لم يكن لديهم إلا خيار الخضوع. "لا يستطيعون فعل شيء. لدينا عددٌ قليلٌ يناصرون داعش لأن أبناءهم معها". أما علي، وهو ضابط أمنٍ حكوميٌّ، فقد حكى قصّةً مختلفة. فهو يقول إن بعض السكان ساعدوا داعش. كان قد خدم لسنواتٍ في تدمر وفرّ الأسبوع الماضي "بسلاحي فقط، دون ملابس، بلا شيء. لم يتعاون المدنيون معنا. كيف تتوقع من الحكومة أن تعمل إن كان قنّاصٌ يستخدم بيتك وأنت لا تقوم بإبلاغ الجيش؟". أفراد العائلات البارزة يجرون حساباتهم بخصوص جهة إعطاء الولاء. مدير متحف تدمر، وهو موالٍ للحكومة، هرب. أحد أقربائه قُتل. قريبٌ آخر له بايع داعش.

في خطبٍ بُثت من مآذن المساجد أمرت داعش السكان بتسليم الجنود المختبئين في بيوتهم. كذلك وزّعت جلابيب سوداء فضفاضةً على المحلات، قائلةً إن على النساء أن يرتدينها. حتى الآن، يبدو أن داعش أعطت الأولوية لجعل تدمر مركزاً متقدّماً للخلافة التي تدّعيها، وليس للإيذاء أو النهب الفوريّ لآثار المدينة. يوم الأربعاء، في بثٍّ إذاعيٍّ، قدّم أحد قادة الجماعة في تدمر معالم الخطط؛ الآثار "لن يلحقها الضرر، إن شاء الله. لن نمسّها ببلدوزراتنا كما يميل البعض للاعتقاد". لكنه قال إن المقاتلين سيحطمون التماثيل "التي كان الكفار يعبدونها في الماضي".