- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
تماثيل وأنصاب (الإدارة الذاتية) في المنطقة الشرقية .. مزيج السخرية والارتجال والفساد والعجز
شهدت السنوات الماضية وخلال سيطرة "الإدارة الذاتية" على أجزاء كبيرة من الحسكة وديرالزور والرقة، تشييد العديد من الأنصاب والتماثيل في الساحات والدوارات وغيرها من الأماكن العامة، ورافق إنشاء كل منها موجة من السخرية والتهكم على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب اتهام أجهزة الإدارة بالفساد الذي تسعى للتغطية عليه عبر الاهتمام المتزايد بهذا الجانب، لكن يبقى القول بأن وراء هذا "الهوس" دوافع أخرى.
رمز أيقوني ومادة للسخرية
رغم أن التمثال أو النُصب مجسم مادي مصنوع من مكونات تناسب تصميمه وتقاوم عوامل الجو والزمن، إلا أنه يمثل في كثير من الأحيان "ترميزاً" أو "تجريداً" لثقافة وتاريخ ومشاهير بلد أو شعب أو منطقة، بينما يمثل في أحيان أخرى فرضاً لرموز السلطة السياسية القائمة على الشعب؛ لكن ردات الفعل التي قوبلت بها التماثيل والأنصاب في مناطق الإدارة الذاتية تشير إلى فشل الأخيرة في كلا الحالتين.
فعلى جانب الطريق الواصل بين مدينتي الدرباسية والحسكة منذ عام تقريباً، نصبت سلطات الإدارة تمثالاً لفيل، الحيوان الذي لا تعرفه المنطقة سوى من خلال الصور، ما جعل أغلب أهالي محافظة الحسكة يستنكرون وجوده عبر تفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فجاءت أبرز التعليقات ساخرة من "العولمة واختلاط ثقافات الشعوب".
بينما شيدت الإدارة نصباً للفنان سعيد كاباري بعد وفاته بداية 2020، وهو مطرب شعبي مهتم بإحياء التراث، ويحضى بجماهيرية واسعة في
أوساط كردية، الأمر الذي جعل النصب الذي وضع على مدخل قريته في ريف عامودا، محط استهجان وسخرية بسبب كونه لا يشبه الفنان. دفعت رداءة صناعة النصب وقتها الكاتب حسين جلبي إلى التعليق على صفحته على الفيسبوك بقوله "بس كأنه التمثال يشبه المهاتما غاندي"!
رافقت ذات السخرية الكثير من التماثيل والأنصاب التي شيدتها الإدارة، مثل تمثال الحرية في مدينة عامودا الذي شيد كمحاكاة لتمثال الحرية في مدينة نيويورك، أو نصب دلة القهوة مع فنجان في قرية الدحلة بديرالزور، أو نصب عجلة مضخة المياه في قرية السوسة بديرالزور كذلك، الذي اضطرت "بلدية الشعب" التابعة للإدارة في السوسة أن ترد على موجة السخرية منه عبر صفحتها على فيسبوك، بأن "المجسم يدل على التراث القديم وتم إنشاؤه ضمن إمكانيات محدودة"، كما ربطت السخرية منه بالمغتربين من المنطقة.
في حين استجابت السلطات في عين العرب "كوباني" بإزالة نصب وضعته في المدينة منتصف العام 2020 يمثل الكرة الأرضية، بعد موجة التهكم الذي قوبل به.
تغطية على فساد إداري ومالي وعجز
لدلة القهوة والفنجان رمزية كبيرة في ديرالزور للتركيبة والإرث العشائري الذي تسود في المحافظة، ما جعل منها مادة لأكثر من نصب في ريف ديرالزور شمال نهر الفرات الذي تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مثل النصب الذي شيدته بلدية أبو حمام في البلدة، وتداولت صوره صفحات محلية على فيسبوك، مثل صفحة "الشعيطات الصفحة الرسمية" التي قال القائمون عليها في حديث لعين المدينة، أن النصب هدية من المتعهد الذي تولى إنشاء الأرصفة في الشارع والدوار الذي أقيم عليه النصب لاحقاً بمبادرة منه.
ورأت الصفحة أن عملية إنشاء الأنصاب والتماثيل تمثل الفساد الإداري الذي ينخر المؤسسات التابعة لقسد، فالواجب على القائمين علىبلدية أبو حمام طرح الأمر للنقاش العام لاعتماد تصميم مناسب، حسب الصفحة التي لخصت العملية على أرض الواقع بأن "قسد تعطي ميزانية قليلة للعمل ما تكفي، وبنفس الوقت بي فساد. حدا من المجلس المحلي والبلدية يقترح الشكل، ويروحون مباشر عالحداد يطلبون يصممه، يعني لا مهندسين ولا شي. حتى ما يعطونه لحدا يرسمه ولا يعطون قياسات مناسبة".
وفي مثال سابق يوضح الخلل في عمليات الإنشاء، نصبت بلدية اليعربية منتصف عام 2020 شجرات نخيل من الأسمنت والحديد على مدخل البلدة، ولكن سعفها تساقط بعد أيام فقط نتيجة الوزن الزائد. وحسب الناشط الإعلامي من الحسكة صهيب اليعربي، فالأمر في حالة نصب النخلات يتعلق ب "أشخاص عديمي الكفاءة في مراكز لا يستحقونها. أصحاب القرار يقومون بإنشائها بأقل التكاليف وسرقة التكلفة".
بينما رأى مهندس مدني من ديرالزور طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الغرض الأساسي من الأنصاب والتماثيل إضفاء جمالية وأثر معنوي في مناطق اصطدام وازدحام مروري، لكنها في حالة الإدارة الذاتية تشي بعجز عن الإنجاز، حسب المهندس العامل في مناطق قسد، فالقائمون على المؤسسات وطواقم العمل غير مؤهلين ومحدودي التفكير، لا يمكنهم التفكير أو تنفيذ مشاريع استراتيجية حقيقية، لذلك يستسلمون لإنشاء التماثيل والأنصاب لترك أثر مرئي ترتبط أسماؤهم به، وهي السياسة ذاتها التي كان يتبعها مسؤولو النظام رغم خبرتهم الطويلة في الحكم، حسب المهندس المدني.