- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
تحريرالشام والزنكي: أبعاد الاقتتال ومواقف جمهور الثورة
لم يعد لدى أي عاقل أدنى شكّ بأن حملة هيئة تحرير الشام الأخيرة ضد حركة نور الدين الزنكي ليست مجرّد حدث عابر يمكن عزله عن سياقه ومحيطه السياسي، وهي ليست مجرد حلقة جديدةً من حلقات مسلسل (البغي والتغلّب- انظر العدد 99)، كذلك ليست مجرّد نزاع على مناطق النفوذ والسّلطة، بل إنها أعمق وأبعد من ذلك، فهي تعكس بشكل واضح التوجهات الدولية والإقليمية في المنطقة، الرامية لتصفية الثورة وكسر أجنحتها؛ وتشكّل الهيئة، قصداً أو بغير قصد، رأس حربة في هذا المشروع.
يرى الباحث في الفقه السياسي عباس شريفة بأن «هيئة تحرير الشام تنفّذ الدور المناط بها على أكمل وجه، حيث تضع الدّول لمساتها الأخيرة لإنهاء الثورة، سيّما وأن هجوم الهيئة يتزامن مع اقتراب موعد مؤتمر (رياض٢) -كما جرت العادة في كل (استحقاق سياسي)- الذي يسعى لنسف الهيئة العليا للمفاوضات، وإدخال منصة موسكو، للقبول ببشار الأسد في مرحلة انتقالية. فمن الناحية العسكرية يشغل الجولاني مركز الحارس الأمين على تنفيذ مخرجات أستانة، ومن الناحية السياسية حوّل قوى الثورة إلى منصات سياسية منزوعة المخالب، أما إدارياً فقد أسس (حكومة الإنقاذ) لضرب (الحكومة المؤقتة) بهدف تشتيت شرعيّتها، والإبقاء على الأسد كخيار وحيد لضبط البلد من وجهة نظر دولية» ويضيف شريفة: «يظّن الجولاني أن محاولاته للتفرد، والهيمنة على قرار الثورة، ستؤدي لرفع تصنيفه عن لوائح الإرهاب، والاعتراف به كسلطة أمر واقع، كما هو حال حزب الله جنوب لبنان».
ويقول الصحفي فراس ديبة إن «هجوم الهيئة لا يهدف لإنهاء الحركة، وإنما هو مجرّد تأديب، ومحاولة لإعادتها إلى حضن تحرير الشام، إذ ليس من مصلحة الجولاني إنهاؤها لأسباب منها: أن لا تظهر الهيئة بمظهر المتفرد في إدلب وريف حلب الغربي؛ لأنّها بحاجة ماسة إلى جهة معتدلة في المنطقة لضمان استمرار الدعم -من ذلك إبقاؤها على فصائل صغيرة مدعومة مقابل أتاوات تدفعها من سلاح وغيره- إضافةً إلى أن اقتحام مناطق الزنكي يحتاج قوات وعتاداً كبيرين بسبب طبيعة المنطقة الجبلية، ما يستدعي إرسال تعزيزات كبيرة للهيئة من مناطق نفوذها الرئيسية في معبر باب الهوى، ومدينة إدلب وجبل الزاوية، وهي مخاطرة لا يجرؤ الجولاني عليها.
صمود وثبات الزنكي
تمكّنت حركة الزنكيّ من الوقوف في وجه تحرير الشام، وأبدت شراسة في مواجهتها، رغم زجّ الهيئة بقوّات ضخمة، وكبّدتها خسائر بشرية كبيرة، (65 قتيلا عدا الأسرى في أول أسبوع من المواجهات بينهما). ويمكن القول بدايةََ إن الحركة استطاعت محاربة الهيئة بنفس أدواتها، مستفيدةً من خبرتها في حرب (داعش)، ومعرفتها بالهيئة عن كثب خلال فترة الاندماج بها، على أن ذلك لا يفسر الصّمود الذي عجزت عنه فصائل تتفوق على الزنكي عدة وعتاداً ورجالاً.
يفسر الصحفي عبد الوهاب عاصي لعين المدينة صمود الزنكي بعدة عوامل، أبرزها أنه فصيل مبني على قاعدة صلبة منظمة إعلامياً وعسكرياً، وهو يخوض معارك دفاعية يغلب عليها الانتماء المناطقي، أيضاً استعداد الحركة المسبق والمتوقّع للمعركة، وإدارتها بشكل جيد (عسكريا، إعلاميا، شرعيا)، وقد أسهم توزع قيادات الزنكي بين المقاتلين بشكل جيد في صمود عناصرها، وهو عامل أساسيّ ومهمّ في منع حدوث انهيارات سريعةً كما حصل مع فصائل أخرى.
موقف الثوار
لم يلقَ الزنكي تعاطفاً وتأييداً من قبل عامة الثوار والناشطين، كما في كل هجوم كانت تشنه (النصرة) على فصائل الجيش الحر، حيث اقتصر التأييد للحركة على أبنائها وبعض الثوار، إضافةً للمجلس الإسلامي السوري الذي أدان الهيئة في بيان رسميّ. ويُرجع فراس ديبة أسباب ذلك لعدم وضوح اتّجاه ومنهج الحركة، إضافةً إلى تحميلها جزءاً كبيراً من مسؤولية سقوط حلب الشرقيّة نتيجة هجومها مع الجولاني أيام الحصار الأخيرة على فصائل الجيش الحر، كذلك عدم مؤازرتها للفصائل التي ابتلعتها (النصرة)، منذ ابتلاع حركة حزم وحتّى اليوم. أما العامل الأبرز فهو اندماجها مع جبهة فتح الشام في كانون الأول 2017 تحت مسمى هيئة تحرير الشام، حيث يعتبر ديبة أن الحركة شكلت غطاءً للجولاني وأعوانه في إضفاء (الشرعية الثورية) على الهيئة، في حين يبرر الزنكي اندماجه مع الهيئة بأنه كان تحالفاً تكتيكياً مرحلياً وليس استراتيجياً، في محاولة منه لتأخير الصّدام، سيّما وأنه أعلن خروجه من الهيئة بعد شروعها بقتال أحرار الشام رغم رفض مكوّن الزنكي!
موقف النظام
لاقى هجوم الهيئة على الزنكي ترحيباً شبه رسمي في أوساط المؤيدين. لوحظ ذلك فيما نشرته عدة شخصيات وصفحات موالية، من أبرز هؤلاء عمر رحمون أحد (المنشقين عن الثورة) والعائدين إلى حضن النظام، حيث لم يُخفِ الأخير تأييده لهجوم (هيئة تحرير الشام) على (ميليشيا الزنكي) حسب تعبيره، وأشار بكل صراحةٍ إلى أنه «رغم خلافه مع الهيئة إلا أنه سعيد بهذا الهجوم».