الكوسوفوي لافدريم مُهاجري
أكثر الدواعش قتلاً للسوريين

من إصدارات داعش

من المعروف أن أبو بكر البغدادي لا يثق كثيراً بعناصره العرب والأجانب، ولذلك نجد أغلب قيادييه من العراقيين، لكن مع بعض الاستثناءات القليلة؛ كالناطق الإعلامي السابق باسم التنظيم، السوري طه صبحي فلاحة (أبو محمد العدناني)، ووالي حلب السابق، السوري عمرو العبسي (أبو أثير العبسي)، والقائد العسكري السابق طرخان باتيرشفيلي (عمر الشيشاني)، وأمير الألبان في التنظيم لافدريم مُهاجري، المعروف في الأوساط الجهادية باسمه الحركي أبو عبد الله كوسوفا، وفي الإعلام الغربي بجزار البلقان.

لافدريم مهاجري Lavdrim Muhaxheri مسلم من ألبان كوسوفو، ولد في 12 آذار 1989 (وفقاً للإنتربول)، أو في 3 كانون الأول 1989 أو 1987 (وفقاً للأمم المتحدة)، في مدينة كاتشانيك، وهي بلدة صغيرة بالقرب من الحدود المقدونية ومعروفة كمركز للجهاديين، ضمن ما كان يعرف حينها بيوغوسلافيا.

نشأ في أًسرة فقيرة، وترعرع ضمن أجواء الحرب القاسية (1998-1999)، وعمل في «معسكر بوندستيل» التابع لـ«قوة كفور» حتى 2010، ثم رقي للعمل في معسكر تدريب منظمة حلف شمال الأطلسي بأفغانستان، حيث خدم بين عامي 2010ـ2012، ليكتسب خبرة قتالية احترافية كبيرة، ويعود بعدها إلى كوسوفو ويرتبط بمجموعات إسلامية متشددة. أولاً مع منظمة محلية اسمها Parimi، ثم أميراً عسكرياً للمنظمة الإسلامية لشباب كاتشانيك التي انبثقت عنها. ورغم ذلك قال أصدقاؤه لوسائل الإعلام إنه لم يكن متطرفاً قبل الانضمام إلى مثل هذه المنظمات.

ولبسط نفوذه وتقوية وجوده أخذ يتدخل في الحياة العامة لأهل بلده، فأشرف على تعيين إمام مسجد كاتشانيك، وسط صراع بين المتطرفين والسكان التقليديين، وهدد بقتل الذين انتقدوا ألبان كوسوفو الذاهبين للقتال في سورية والعراق.

وصل إلى سورية أواخر عام 2012، وانضم إلى جبهة النصرة، ليصبح بعد مدة قصيرة قائداً لوحدة المجاهدين الألبان فيها. عاد إلى كوسوفو عام 2013، وحضر مهرجان رمضان الذي أقيم هناك، ثم قفل راجعاً إلى سورية ليبايع «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ويقود مقاتليها من أصل ألباني، الذين كانوا نحو 500 من غرب البلقان، بينهم 300 كوسوفوي. وخلال وقت قصير كسب ثقة قيادات داعش وأصبح صلة الوصل بينهم وبين القادمين من ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا، ويقدم التقارير عن عمله إلى البغدادي مباشرة.

ظهر في شريط فيديو، في تشرين الأول 2013، يدعو الألبان إلى الانضمام إلى داعش والقتال في صفوفها. وكذلك ظهر في 17 أيار 2014 في إصدار «صليل الصوارم» الجزء الرابع، وهو فيلم دعائي عنيف للغاية مدته ساعة، أنتج بأسلوب هوليوودي. وألقى فيه خطبة حماسية قال فيها: «الحمد لله الذي رزقنا أن نهاجر في سبيل الله وننضم في هذه الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية في العراق والشام، ونحمد لله الذي رزقنا وجمعنا مع هؤلاء أسود دولة الإسلام في كل مكان، والحمد لله الذي رزقنا أن نبايع أمير المؤمنين أبي بكر القريشي البغدادي حفظه الله. يا أميرنا، لقد بايعنا على السمع والطاعة، وبايعنا على الموت، فامض بنا حيثما أمرك الله. ونقول للطواغيت والكفار في كل مكان، نحن نقول لكم كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: «إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه». ونقول لكم كما قال النبي «إنما جئناكم بالذبح». وهنا يخرج سكينه الطويلة ويلوح بها بيده ويقول منفعلاً: «فأبشروا أيها الكفار (تقاطعه أصوات التكبير). والله العظيم سنطهر الجزيرة منكم يا أيها الأنجاس، ونفتح بيت المقدس منكم يا أيها اليهود، ونفتح روما... سنفتح روما والأندلس بإذن الله تعالى. (يبدأ بالتكبير ثم يتابع) هذه جوازاتكم يا أيها الطواغيت في كل العالم، والله نحن مسلمين، نحن مسلمين، نحن مسلمين». ثم يمزق جواز سفره ويرميه إلى النار المشتعلة أمامه، فيتبعه الآخرون ليمزقوا جوازاتهم ويرمونها أيضاً إلى النار، على خلفية أصوات تكبيرهم ونشيد: «أُمّتي قَدْ لاحَ فَجرٌ فَارقُبي النصر المُبين/ دَولةُ الإسلام قامَت بدِماء الصّادِقين».

وفي 29 تموز من العام نفسه نشر، على صفحته في فيسبوك، صوراً له وهو يذبح شاباً سورياً مجهول الهوية. وقال في مقابلة له مع الصحيفة الألبانية «ديتا» (نشرت 2 آب)، مبرراً جريمته، إن الشاب كان جاسوساً يبلغ من العمر 19 عاماً، وإنه قد تصرف وفق القرآن والسنة، ولم يفعل إلا ما فعله جيش تحرير كوسوفو خلال الحرب ضد الصرب. ومنذ ذاك الحين تصدر اسمه الصحف العالمية، وتلقى الإنتربول طلب اعتقال دولي بحقه من سلطات كوسوفو في 15 آب. وبعد عدة أيام ذكرت شبكة الأخبار الكردية KNN أنه قد قتل، وعرضت صوراً تزعم أنها لجثته، لكن صديقاً له نفى الخبر. وربما كان حذف صفحته على فيسبوك قد أدى إلى شيوع مثل هذه التكهنات.

 

وفي أواخر الشهر نفسه شنت سلطات كوسوفو حملة واسعة اعتقلت خلالها أكثر من أربعين مواطناً يشتبه في علاقتهم بالحروب الدائرة في سورية والعراق، بينهم العديد من أئمة المساجد المنتسبين إلى الجماعة الإسلامية في كوسوفا. وبتاريخ 17 أيلول أصدر وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، بياناً حول مهاجري اعتبره فيه تهديداً للأمن القومي الأميركي، فوضع بالتالي على «القائمة السوداء» للولايات المتحدة في 24 أيلول. وفي 2 تشرين الثاني فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية وجمدت الأصول المفترضة وحظرت معاملات عدد من المقاتلين الإسلاميين، بينهم مهاجري.

وفي 21 أيار 2015 نشرت مجموعة «الرقة تذبح بصمت» فيديو يظهر فيه مهاجري، مع مجموعة من عناصره، وهو يحقق مع شاب مقيد إلى عمود خشبي اسمه إبراهيم الشريدة، وهو مريض عقلي من بلدة أبو حمام في ريف دير الزور ينتسب إلى قبيلة الشعيطات. يعترف إبراهيم أنه قتل عنصرين من تنظيم الدولة، لينطق مهاجري بالحكم مباشرة أمام الكاميرا: «هذا عدو الله عز وجل، قتل اثنين من الإخوة بالآر بي جي، وبإذن الله عز وجل القصاص نفس الشيء، بالآر بي جي نقتله». ويعقب على حكمه شاب من المجموعة المرافقة بلهجة مغاربية ثقيلة، ثم يقول آخر: «هذا مصير كل مرتد». ثم يكبرون ويصرخون «دولة الإسلام باقية»، «دولة الخلافة باقية»، وهم يتراجعون إلى الوراء. وما يلبث مهاجري أن يرمي قذيفته باتجاه الشاب وتسمع أصواتهم وهم يكبرون ويطلقون الأعيرة النارية، ثم يقتربون من الجثة الممزقة على الأرض. ويتكلم مهاجري بلغة مختلطة ألبانية-عربية غير مفهومة مهدداً المشركين، بينما يضع المغربي صاحب اللهجة الثقيلة رجله على رأس الضحية وهو يقول: «هذا هو مصيركم يا أعداء الله، وبيننا وبينكم الدم»...

ظهر مهاجري آخر مرة في سورية في 29 آب 2015، عندما نشرت داعش إصداراً دعائياً لتعزيز عملتها الجديدة، حاثاً الناس على التعامل بالدينار الذهبي.

وفي تشرين الثاني قامت الشرطة الإيطالية بعملية أمنية أطلق عليها اسم «فان دام» لتفكيك خلايا إرهابية تعمل بين كوسوفو وإيطاليا، يتزعمها سامت إمشتي الذي عاش بين بريشيا وكوسوفو. واعتقلت العديد من الجهاديين ذوي الأصول الألبانية الذين يعيشون في إيطاليا، كما عثرت على أدلة تؤكد علاقة إمشتي بمهاجري.

وفي 29 كانون الأول أفيد أن مهاجري كان في العراق، وفقاً لصور نشرها على تويتر وهو يبتسم حاملاً بندقية.

بين 4 و16 تشرين الثاني 2016 ألقي القبض على ثمانية عشر من ألبان كوسوفو وواحد من ألبان مقدونيا يشتبه في نيتهم تنفيذ هجمات إرهابية في كوسوفو وألبانيا، خطط لها مهاجري وزميله في داعش ريدفان (رضوان) حقيفي. وبحسب النيابة العامة خططت الجماعة لهجمات على مرافق الدولة والمنظمات الدولية بهدف تخويف السكان وزعزعة استقرار البلاد وتقويض النظام السياسي والدستوري والاقتصادي والاجتماعي، من أجل إقامة «دولة إسلامية» في نهاية المطاف. وكذلك خططت لمهاجمة فريق كرة القدم الإسرائيلي ومشجعيه خلال مباراته ضد ألبانيا، إضافة إلى استهداف العديد من المؤسسات الحكومية الكوسوفوية والمواقع الكنسية الأرثوذكسية الصربية. وأثناء الاعتقالات عثر على كمية كبيرة من المتفجرات وعلى أسلحة فردية وأجهزة اتصالات. وبعد هذه العملية بث مهاجري وحقيفي شريط فيديو هددا فيه سلطات كوسوفو وألبانيا بسبب مساندة حكومتيهما للتحالف الدولي ضد داعش.

في 8 حزيران 2017 قالت شرطة كوسوفو، استناداً إلى عائلة مهاجري، أنه قتل في الشرق الأوسط، دون تقديم تفاصيل أخرى. بينما أفادت تقارير وسائل الإعلام المحلية، نقلاً عن مصادر في وزارة الداخلية الكوسوفوية، أنه قتل بغارة جوية لطائرات أميركية في العراق.

أجاد لافدريم مهاجري الحديث والخطابة باللغة العربية، وتمتع بكاريزما قيادية، وعرف بقسوته وعنفه، ووصف بأنه «ذكي واستراتيجي عسكري ذو خبرة»، ما جعله شخصية مقربة من «الخليفة». فتمتع بهامش واسع من الاستقلالية، وسُمح له بمحاكمة السوريين ميدانياً دون الرجوع إلى أجهزة الحسبة أو إلى المحاكم الشرعية، فأوغل كثيراً في سفك الدم السوري البريء، إذ يحوي سجله الإجرامي على الكثير من الضحايا، لا سيما من أبناء دير الزور.