السوريّات والزوج التركيّ

نساءٌ معلّقاتٌ وبعض الأزواج يرفضون تسجيل أبنائهم من سوريات

"بعد ستة أشهرٍ من الجحيم كنا في السيارة، وفجأةً توقف وطلب منّي النزول. حين نزلت أكمل طريقه وكأن شيئاً لم يكن".

أُجبر أكثر من نصف السوريين على مغادرة منازلهم بسبب الحرب، بينهم خمسة ملايين تقريباً لجأوا إلى خارج البلاد. كانت لتركيا الحصّة الأكبر من أعداد اللاجئين بحوالي 2.2 مليون، وبين هؤلاء مئات الآلاف من الفتيات العازبات اللواتي كانت لبعضهنّ قصص زواجٍ من رجالٍ أتراك. لا توجد إحصاءاتٌ في هذا الشأن لأن معظم حالات الزواج هذه غير مسجّلة، لكن المؤكّد أنه يعوزها الكثير لتكون في إطارها الطبيعيّ.

غروب (34 سنة-ريف إدلب)

قبل أربع سنواتٍ تزوّجت غروب كهلاً تركياً أرمل يعيش مع أولاده، بعد أن سجّل عقد زواجهما بشكلٍ رسميّ. ورغم أنها أخلصت في خدمته الا أنه يكاد يفقد عقله أحياناً حسب ما تقول: "يضربني بجنون لأبسط الأسباب. صادر هاتفي، وحبسني بالبيت، ومنعني حاكي أهلي تسع شهور". إلى أن نجحت في استخدام هاتف ابنته لتتصل بأهلها طالبة النجدة من "هذا الجحيم". وبالفعل جاء أهلها واصطحبوها معهم بحجّة الزيارة ولم ترجع بعد ذلك. ومنذ ثلاث سنواتٍ والزوج يرفض الطلاق.

ياسمين (26 سنة-ريف حلب)

بسبب "القلّة" تزوجت، قبل أربع سنواتٍ، تركياً مريضاً بالشلل الرعاشيّ (داء باركنسون). كان زواج ياسمين قانونياً ومثبتاً في المحكمة لكنها لم تكن سعيدةً أبداً، فهي أقرب إلى "الخادمة"، حسب ما تقول، تُضرب لأتفه الاسباب وتُحرم من الطعام، ولا يمكن لها أن تزور أهلها. وليس لها إلا الهاتف تروي ما تقاسيه من عذابٍ مع زوجها الذي يحرمها حتى من مبلغ المساعدة الشهريّ الذي خصّصته لها الحكومة بسبب رعايتها إياه لأنه رجل مريض أو "معاق"، حسب ما أخبرتنا شقيقتها.

زينة (24 سنة-دير الزور)

من عائلةٍ جميع أفرادها من الإناث. نزحت وعائلتها إلى جسر الشغور ثم إلى أنطاكيا في تركيا قبل عام. وبسبب القلّة أيضاً تزوّجت، بعقدٍ عرفيٍّ، "على ضرّة". كانت الضرّة مريضةً والزوج فلاحاً، فعملت زينة في الأرض وفي المنزل، تخدم الضرّة والزوج وأولادهما الخمسة. قبل ثلاثة أشهرٍ أنجبت زينة طفلةً رفض والدها أن تُسجّل على اسمه. "أخذتو البنيّة ورحتو على أهلي بلكي يحن قلبه علينا، لكنه إلى اليوم ما اتصل".

سعاد (25 سنة-إدلب، حارم)

زوّجها إخوتها، الذين يعملون بالتهريب، لشريكهم التركيّ، على أن يتمّ استكمال أوراقها وتثبيت الزواج لاحقاً. في دينزلي، المدينة الشمالية، عاشت معه لستة أشهرٍ فقط كما تقول: "في ما عدا الضرب والاهانة، سمح لي أتصل بأهلي مرّتين بس، وقدّامه". كانت نهاية الزواج مفاجئةً كما تقول: "بعد ستة أشهرٍ من الجحيم كنا في السيارة، وفجأةً توقف وطلب منّي النزول. حين نزلت أكمل طريقه وكأن شيئاً لم يكن". في الشارع استعارت هاتفاً لتتصل بصهرها الذي أعادها إلى أهلها في سوريا.

تقول ماجدولين إيبو، وهي ناشطةٌ في قضايا المرأة، إن هذه الزيجات ما هي إلا غطاءٌ لاستخدام جسد المرأة السورية بأبخس الأثمان: "إحدى السوريات المتزوّجات عرفيّاً قبلت لقاء زوجها التركيّ مرّةً واحدةً في الشهر في منزلٍ استأجره لها، مقابل العيش فقط". تحاول إيبو، مع ناشطاتٍ أخريات، أن يوضحن للنازحات الفروق بين الزواج الشرعيّ والقانونيّ في تركيا.

ويقول المحامي والناشط الحقوقيّ رامي عساف: "هناك جهلٌ عامٌّ بالقانون التركيّ لدى السوريين. كما أن الاختلاف كبيرٌ جداً بين الأحوال الشخصية السورية والتركية؛ ففي حين تتبع الأولى الشريعة الإسلامية بالمطلق، تتبع الثانية قوانين وضعيةً لا تمتّ إلى الشريعة بصلة. فلا تقرّ العقد العرفيّ، بل يعاقب القانون من يتزوّج بهذه الطريقة. وتمتدّ العقوبة لتشمل، إضافة إلى الزوجين، كلاً من ذويهما، والشيخ العاقد، وشهود العقد. وقد تصل إلى السجن لـ15 عاماً. ليس هناك زواجٌ متعدّدٌ في تركيا، ولا عقدٌ شفهيٌّ للزواج والطلاق، بل، على العكس، كلّ الإجراءات مكتوبةٌ ورسمية. ولذلك لا حقوق للزوجة بعقدٍ عرفيّ، بينما يمكن تثبيت نسب الطفل لأبيه دون زواج".