الخدمات الطبية في الرقة.. محسوبيات وتسمم وإنكار

مشفى الرقة الوطني - وكالات

يُعتبر ريف الرقة الشرقي من أسوء مناطق المحافظة في الخدمات الطبية لقلة اهتمام السلطات والتلوث البيئي ولغلبة الطابع المادي والبنى التقليدية على المنظمات والعاملين في المجال الطبي، بحسب ناشطين، بينما يعتبر أحد مسؤولي الصحة التابعة ل"قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، أن المنطقة لا يوجد فيها أيَّ نقص في المجال الطبِّي أو حتَّى حالات تسمم وأمراض ناتجة عن البيئة!

تعود أسباب سوء الوضع الطبي، في مناطق الرقة عموماً وريفها الشرقي خصوصاً رغم افتتاح المستشفيات والعيادات ووفرة الكوادر الطبية، إلى "جشع الأطباء ومسؤولي إدارة المستشفيات". فعلى سبيل المثال، حدَّدت الصحة ما تُسميها "قسد" تسعيرة للكشف عن المريض تُقدَّر بمبلغ 1500 ليرة سورية، وهي كشفية تعتبر كبيرة جداً مقارنةً بأوضاع الأهالي المتردية، ومع ذلك لم يلتزم الأطباء بهذه التسعيرة، ويأخذون مبلغًا مضاعفًا (3000) مقابل الكشف.

هكذا وصف الناشط الرقاوي موسى الخلف لعين المدينة، الوضع الطبِّي في الرقة، مضيفاً أن "الأطباء يتعاملون مع صيدليات معينة، ويتقاضون نسبة معينة من ثمن الدواء، وكذلك يتعاملون مع مراكز تصوير الأشعة، ومختبرات تحليل الدم، ولهم مقابل ذلك نسبة مالية"، ومشيراً إلى أنَّه في بعض الأوقات "لا تحتاج حالة المريض لصورة، ومع ذلك يطلبها الأطباء، أمّا بالنسبة للمستشفيات فحدِّث بلا حرج، حيث تُكلِّف الليلة الواحدة للمريض نحو 40 ألف ليرةٍ، وسط معاملة سيئة جداً من كادر المستشفى". ونوه إلى أنَّ "قسد طالبت الأطباء بالالتحاق بدورات، مهدِّدة بعدم حماية أيّ طبيب لا يذهب إلى تلك الدورات".

وأكد الخلف المقيم في الرقة، تكرار حوادث حالات تسمم بما لا يقل عن ثلاث مرات خلال الآونة الأخيرة، وذلك بسبب تلوث المياه في ريف الرقة الشرقي الذي يعد من أسوأ المناطق خدمةً نظراً لقلة المنظمات الطبية والإنسانية، كما وانتشر مرض اللشمانيا في أغلب مناطق الرقة بسبب تراكم الأوساخ، ناهيك عن تأخر قسد بانتشال الجثث من الشوارع التي قضى أصحابها خلال حملة التحالف الدولي العسكرية ضد "داعش".

وأوضح الناشط أنَّ أغلب المنظمات في الرقة -بما فيها الطبية- أصبحت "عائلية وللمقربين من عامليها"، إذ يكون التوظيف في المنظمات عن طريق صلة القرابة: "يستلم أحدهم إدارة المنظمة فيُعيِّن شقيقه في الوظيفة وزوجته وابن عمه.."، وعندما يتم توزيع السلل الغذائية والنظافة يُسجِّل القائمون على المنظمة أسماء أقاربهم ومعارفهم لاستلام تلك السلل، بينما وضع الفقراء والمساكين والأرامل "سيء جداً".

أيضاً، فإنَّ أغلب المنظمات الطبية تُرسل المرضى المقربين منها إلى العيادات الخاصة، في حين لا يستطيع السكان الذين ليس لديهم معارف وأقارب موظفين علاج مرضاهم، فمنذ فترة زمنية قريبة رفض الكادر في منظمة "أطباء بلا حدود" استقبال طفلة مريضة بحالة إسعاف في حي المشلب بمدينة الرقة، وذلك بحجة "عدم وجود طبيب مختص". وفي وقت سابق رفض "مركز الطفولة الآمنة" في المشلب التابع ل "صناع المستقبل" استقبال الطفل وليد الذي أصيب في وجهه بانفجار لغم من مخلفات داعش نهاية عام 2017، بحجة بعد مسافة المنزل عن المركز، رغم أنَّ منزل الطفل يقع في ذات حي المركز.

ومن جانبه أفاد الطبيب أحمد إسماعيل أحد أعضاء "لجنة الصحة" التابعة لمجلس الرقة المدني، لعين المدينة، بأنّ ريف الرقة الشرقي يضم ثلاثة مستوصفات، منها اثنين في ناحية الكرامة أحدهما مدعوم من لجنة الصحة، والآخر مدعوم من "جمعية السوسن"، والمستوصف الثالث في قرية حمرة ناصر، وفي كلِّ مستوصفٍ هناك عيادات نسائية، أطفال، وداخلية، ويتم تقديم اللقاح الروتيني وعلاج اللشمانيا فيها.

وفي 18 حزيران الماضي، تحدثت وسائل إعلام محلية عبر مراسليها على الأرض عن وصول أكثر من عشرين حالة تسمم بالمياه بينهم أطفال إلى مستشفيات مدينة الرقة، جراء تلوث مياه الشرب في ناحية الكرامة، وعزا وقتها أهالي الناحية سبب التسمم إلى اختلاط مياه الشرب مع الصرف الصحي، كذلك سُجّلت عشرات حالات مرض اللشمانيا هناك. وفي منتصف شباط الماضي، أصيب عشرة أشخاص بحالات تسمم نتيجة شربهم مياه ملوثة تنقلها صهاريج إلى قرى مزرعة تشرين وحزيمة شمالي الرقة.

على أن الطبيب إسماعيل رد على تلك الإخبار بقوله:" هذا الكلام غير صحيح، فلم تُسجَّل أيَّة حالة تسمم، كما أنَّ علاج اللشمانيا متوفر في ريف الرقة الشرقي الذي تم رش جميع قُراه وبلداته بمبيدات ذبابة الرمل المسببة للداء". مؤكداً عدم وجود أي نقص في العلاج أو في المراكز الطبية وبأنَّها كافية لجميع السكان، وأشار إلى وجود 14 مركزاً صحياً وسبع مستشفيات في مدينة الرقة وريفها بالإضافة إلى المستشفى الوطني.

وبالنظر إلى الرقم المعلن مؤخراً عن العائدين إلى الرقة، والذي وصل إلى 300 ألف نسمة، يظهر الفقر الكبير في الخدمات الطبية التي يتلقاها السكان، قياساً إلى الأرقام التي يذكرها الطبيب أحمد إسماعيل عن مراكز الرعاية الأولية (المستوصفات) والمستشفيات، إذ لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لمستشفى أساسي ومركزي مثل "الوطني" 40 سريراً بحسب ما أعلن مدير المستشفى في وقت سابق.