التصوير الصحفي في إدلب.. بين الترحيب والحظر

تتعدد المتاعب التي تُواجه الصحفيين والمصورين في محافظة إدلب، لعلّ أبرزها ما يحصل من مضايقات لم يسلم منها معظم العاملين في مجال الإعلام، مصدرها الفصائل المسيطرة، كما يتحمّل المدنيون وزر العديد من هذه الحالات. وما يُثير مقداراً كبيراً من الاهتمام حول هذا الموضوع هو البعد الاقتصادي للتصوير، إضافة للتضييق على الحريّات التي قامت الثورة لنيلها. الموضوع بشقيه الاقتصادي والسياسي هو مثار بحث هذا التحقيق.

في مدينة إدلب، التي تعتبر بمثابة عاصمة الشمال السوري، يصعب على أي صحفي أو حتى مدني أن يحمل آلة تصوير ويلتقط مشاهد حياتية أو توثيقية، هنا أوهناك، دون التعرّض للمساءلة أو التوبيخ. هذا هو المبدأ المُتعارف عليه لدى أغلب المصورين، على الرغم من نفي بعضهم احتمالية حدوث أي انتهاك بحق من يحمل كاميرا ويتجول داخل المدينة المكتظّة بالكثير من أبناء المناطق السورية وغير السورية.

كمهجّر قَدِم إلى إدلب منذ عدة أيام، لم يعلم «أبو أحمد» بالقوانين المرسومة في المدينة. حمل هاتفه النقال بشكل طبيعي بعد أن فتح الكاميرا مصوراً عدداً من لقطات السلفي على سبيل التذكار «فجأة هجم عليّ ثلاثة أشخاص وطلبوا مني إغلاق الجوال». أخذ أحد الرجال، الذين قالوا إنهم يعملون ضمن أمنية إدلب، جهازه وقام بفتحه وتفتيش استديو الصور «من حسن حظي أن الصور كانت شخصية، ومع ذلك لم أسلم من التوبيخ».

الأمر ذاته تكرر مع مصور، طلب إغفال اسمه، والذي أتعب معدّ التحقيق للإدلاء ببعض المعلومات حول هذه القضية نظراً لتخوفه الشديد من تكرار حادثة اعتقاله التي دامت لـ 3 أشهر «الاعتقال كان بسبب التصوير ضمن مدينة إدلب، في البداية كان السبب هو عدم حملي تصريحاً بالتصوير، لكن القضية تعدّت ذلك خلال فترة التحقيق».

تعرض المصور للسجن في أحد سجون هيئة تحرير الشام في إدلب، بعد اتهامه بالتعامل مع جهات مخابراتية خلال تشعّب التحقيق. وعلى الرغم من تبرئة المحكمة للمصور إلّا أنه قضى عدة أسابيع أخرى في السجن بعد صدور الحكم.

وتسري حالة من الرعب بين المصورين، خاصة فيما يتعلق بمواجهة محتملة مع هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل، حرصاً على حريتهم الشخصية المُعرضة للسجن في أي لحظة، دون أن يكون هناك من يدافع عنهم أو يحميهم. وهذا ما يفسر تكتّم المصور عن الإدلاء بأي معلومات خاصة تظهر شخصيته أو ما تعرض له خلال فترة اعتقاله.

المهم في هذه القضية ومثيلاتها هو فقدان الكثير من المصورين لعملهم، خاصة من تعرّض منهم للاعتقال، فالمصور الذي كان يعمل مع إحدى الوكالات الصحفية والمعيل لثلاثة أبناء تخلّى عن عمله بعد اعتقاله الأخير «اليوم ليس لدي مصدر دخل. لقد فقدت عملي تماماً، لا أريد أن أُعتقل من جديد».

مجرد تصرفات فردية

خلافاً للمعلومات السابقة؛ ينفي الناشط والمصور «مطيع جلال» وجود متاعب تُواجه الصحفيين في الوقت الراهن. وبيّن جلال لـ عين المدينة أنه عقب تحرير إدلب لم تكن هناك قيود على التصوير، لكن وبعد فترة أصدر جيش الفتح، المسيطر على إدلب حينها، قراراً يُلزم جميع الصحفيين والمصورين بالحصول على ترخيص من الإدارة العامة.

حصل جلال على رخصة للتصوير، ومع ذلك «لم يطلب أحد مني هذه الرخصة، مع أني أصور بشكل دائم»، واعتبر جلال حوادث التهجم واعتقال بعض الصحفيين في المدينة «مجرد تصرفات فردية من العناصر، فهذه الحوادث تكرّرت، ولا تزال، منذ بداية الثورة ومع أغلب الصحفيين».

لا فرق بين العاملين ضمن الوكالات الأجنبية أو المحلية في التسهيلات برأي جلال، فـ«أحد أصدقائي يعمل ضمن وكالة الصحافة الفرنسية. يمرّ من الحواجز ويُخبرهم أنه يعمل مع هذه الوكالة، ولا أحد يتعرض له خلال ممارسة عمله». لكنه يستدرك حديثه بالقول «طبعاً هذه التسهيلات ليست حبّاً بالإعلاميين أو حرصاً على الحرية، بل هي وضع أُجبروا عليه نتيجة عدم الرضا الموجود لدينا كنشطاء عن حكم الهيئة. إنهم يخشوننا لذلك هم يحرصون على عدم المواجهة».

الاعتقال وفقا لطريقة التعاطي

المصادر التي تحدثت لـ عين المدينة أسهبت في موضوع تعاطي المصور أو الصحفي مع بعض القضايا الحساسة، فـ لعنصري (المكان وطريقة التعاطي) علاقة هامة مع السماح بالتصوير أو تعرض الصحفي للاعتقال أو مصادرة معداته.

قدّم عبد قنطار، الذي يعمل مع وكالتي الأناضول التركية واي اف بي (AFP) الفرنسية، وُجهة نظر معقولة حول هذه النقطة، إذ «يتفاوت حجم المضايقات حسب المادة المصورة. في بعض المواد لا تحصل أي مشاكل، مثل تغطية حادثة قصف أو معارك مع النظام، على سبيل المثال». في المقابل تتسبب بعض المواد الإعلامية بمضايقات للصحفي كـ«استطلاع الرأي، قضايا المهاجرين، مناصرة فصيل ضد فصيل آخر»، قائمة المواضيع المحظورة هذه قد تُعرض صاحبها للاعتقال فوراً.

أما بالنسبة لعنصر المكان فيستعرض قنطار مجموعة من الأماكن التي يصعب فيها ممارسة حرية الصحافة دون التعرض للأذى، أهمها مدينة إدلب وريف إدلب الغربي (جسر الشغور وحارم وسلقين)، ويعزو السبب إلى وجود أعداد كبيرة من المهاجرين وضعف نشاطات المنظمات المدنية فيها.

يعتمد قنطار على بيع الصور لتأمين دخل جيد لعائلته، إلا أنه يخشى كباقي زملائه من الاعتقال أو التوقف عن العمل الذي يؤمن له «حياة كريمة» مقارنة بباقي الأعمال المتوفرة في المدينة، على حد قوله.

الترخيص

رُوّج إعلامياً لمعظم القضايا التي تعرّض خلالها صحفيون للانتهاك في إدلب بعدم الحصول على ترخيص، وهو بطاقة يحصل عليها المصور تُجنّبه المساءلة وفقاً لما يتم الترويج له في المنطقة. أما من الناحية العملية، فقد تبين من خلال المعلومات التي حصلت عليها عين المدينة أن الحصول على بطاقة ترخيص ليس هو ما يحمي الصحفي أو يساعده على ممارسة عمله، بل تلعب أمور أخرى، مثل المعرفة الشخصية وعدم الاقتراب من القضايا الحساسة ومكان وتوقيت التصوير، دوراً حاسماً في هذه المسألة.

عبد قنطار لم يحصل على بطاقة من هذا النوع، ومع ذلك يمارس عمله بشكل طبيعي بالرغم من تعرضه للاعتقال في 2013، عقب الهجمات التي شنتها جبهة النصرة على جمال معروف قائد جبهة ثوار سوريا. مطيع جلال أيضاً لا يستعمل هذه البطاقة على الرغم من التعب والمشقة التي بذلها في الحصول عليها فور تحرير إدلب وتسلم جيش الفتح زمام الأمور فيها. وعن طريقة العمل يُخبرنا جلال «عندما نخرج للتصوير نتواصل مع أشخاص معنيين بهذا الأمر، وهكذا نعمل دائماً»، و«بسبب كثرة النشطاء والوكالات وندرة من يحمل ورقة التصريح، لم يعد المعنيون مهتمين بهذه البطاقة على اعتبار أن المعرفة الشخصية تلعب الدور الأهم في معظم الأحيان».

كانت الإدارة المدنية لجيش الفتح هي الجهة المانحة لإذن التصوير، وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على المحافظة تابعت العمل بقانون الترخيص. وتقول مصادر

لـ عين المدينة إن القرار قد أُلغي منذ فترة، ولم يعد الصحفيون يحتاجون لرخصة لممارسة عملهم، الأمر الذي تنفيه حالات الاعتقال السابقة.

الأمر متفاوت وفقا للمنطقة

بعيداً عن مدينة إدلب؛ تختلف قوانين التصوير من منطقة لأخرى، فهناك عشرات المدن والبلدات والتي تتمتع بحكم ذاتي إلى حد ما تسمح بالتصوير دون قيود، كما يقول محمود (اسم مستعار) وهو ناشط صحفي من دمشق، ففي «مدينة بنش يُرحّب معظم أهلها بالمصورين بشكل يدعو للراحة والاطمئنان»، ويمكن لأي شخص التقاط الفيديوهات والصور التي يريدها دون أن «يُسأل عن اسمه أو الجهة التي يعمل لها».

في المقابل تسود طبيعة معاكسة في بعض البلدات التي يُسارع أهلها لمنع المصورين من ممارسة عملهم، ربما خوفاً من التقاط الصور، أو تجنباً لظهور بلداتهم في الإعلام المعارض. يروي مروان (اسم مستعار)، أحد المصورين الذين استقبلوا مهجري الغوطة عند نقطة قلعة المضيق، حادثة تهجُّم عدد من العناصر التابعة لفصائل حماة على الصحفيين ومطالبتهم «بمنع التصوير دون إبداء سبب واضح»، ولم يمنع الردّ المؤدب للمصورين من «تعرض البعض لمصادرة آلة التصوير أو تحطيمها».

مسألة التصوير تختلف ضمن أماكن تواجد المخيمات المنتشرة بكثرة على الحدود مع تركيا، إذ لا يُمكن لأي صحفي التصوير داخل المخيمات دون الحصول على موافقة من الإدارة العامة للمهجرين التي تربط بين جميع مخيمات الشمال السوري.

إلى ذلك؛ لا يمكن تسجيل أي فارق أو امتياز بين الصحفيين العاملين في الصحافة الأجنبية وغيرهم من مراسلي الوكالات المحلية، وإن كان يُرحَّب بالمتعاونين مع الجهات الأجنبية في بعض الأحيان بشكل مثير للاهتمام، فذلك لأن القضية المستهدفة بالتصوير يُراد تصديرها عبر هذه المؤسسات واسعة الانتشار.

إدلب - عدسة الكاتب