افتتاحية العدد 77

فروق بين القتلة في مذبحتين

وإن كانت الذكرى أليمة، يجب أن نتذكر غوطتي دمشق، يوم استعمل جيش الأسد غاز السارين في قتل (1300) شخصاً، قبل ثلاثة أعوام في مثل هذا الشهر؛ ويجب أن نتذكر أيضاً عشيرة الشعيطات في دير الزور، حين ذبحت «داعش» منها (600) شخصاً، قبل عامين وفي مثل هذا الشهر أيضاً.

بين المذبحتين تعدد القاتل وكان المقتول واحداً وإن اختلف المكان: ناس أبرياء في بيوتهم، عدَّهم تنظيم «داعش» كلهم، الكبير والصغير، المرأة والرجل، الطفل والشيخ، المعافى والمريض منهم، مجرد مرتدين؛ وعلى هذا اعتقد جند «داعش» أنَّ في قتل هؤلاء (الشعيطات) جهاداً، وأن لهم أجراً بعدد الأنفس التي يزهقونها. ولأن العقائد المنحرفة تجعل من معتنقيها عميان قلوب، نصف مجانين، ونصف شياطين أحياناً، مضت فؤوس داعش وسكاكينها تتفنن في جز الرؤوس، بتباهٍ وجرأة قل نظيرها في التوحش.

وقبل مذبحة الغوطة ضاق نظام الأسد بأهلها ذرعاً، فرآهم غير جديرين بالحياة، ولم يميز هو الآخر بينهم، فاختار لهم طريقة موت لا تفرق بين روح وروح أخرى، ثم وبعد أن قضي الأمر، ولأنه أعرق في شؤون الجريمة من تنظيم «داعش» حاول نظام الأسد الإنكار والتملص.

وعلى عكس جند «داعش» المؤمنين باعتقاد ما وإن كان منحرفاً، لا يؤمن كثير من جنود الأسد بشيء، بل هم أسفل من ذلك، مثل عبيد مأمورين ومملوكين لسيد. ولا يلزم طبعاً في هذي الحال عقائد عليا، إنما طاعة في تلبية الأوامر فقط ودون تردد.

عبر التاريخ، وخاصة في جيوش الطغاة، برز صنف من المجرمين يثير العجب،لا يعاني من  انحراف نفسي، ولا يتعطش للدماء، ولا يقتل بنوازع ذاتية، بل يؤدي واجبه الوظيفي في القتل فقط، فربما قد يرجع جندي من جيش الأسد إلى بيته، ليلاعب أطفاله، ويتودد إلى زوجته، كأي موظف لطيف في البيت، دون أن يخطر له ولو لحظة أنه مجرم.

جنود الأسد من صنف القتلة العاديين هذا، لا يقلون خطراً على الجنس البشري عن أصنافهم الأخرى، ولو على شاكلة «الدواعش».