هل سيكون الجنوب ميدان المعركة القادمة في سوريا؟

كريستوفر فيليبس* 
20 حزيران عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

كثّف الجيش السوري مؤخراً هجومه على الجنوب مطالباً المتمردين المتبقين هناك بالاستسلام أو مواجهة هجوم جديد. وفي حين من المحتمل أن يقبل بعضهم المصالحة، فإن أغلبيتهم قد رفضوا، ومن المرجّح أن الجبهة الجنوبية التي كانت هادئة من قبل ستظل نشطة.

قلّة هم من يُعطون المتمردين فرصة كبيرة، لأن تكتيك القصف الحكومي والروسي الكثيف متبوعاً بهجوم بري لإرغام بؤر المعارضة على قبول الإخلاء متوقعٌ من جديد. ورغبة بشار الأسد باستعادة الجنوب لا تحتاج لكثير من التعليل، فبعد أن أبعد آخر القوات المتبقية للمتمردين في دمشق، فإنه تواق لإحراز النصر وتقديم عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي لأهل البلد وللخارج. وبينما ما تزال أراضٍ واسعة في شرق وشمال سوريا تحت سيطرة أعداء الأسد، فإن الجنوب هو آخر مكان مهم خارج عن سيطرة الأسد قرب دمشق.

دور إسرائيل

بدأ التمرد في سوريا في مدينة درعا الجنوبية، واستعادتها من قبل النظام ستكون ذات قيمة رمزية كبيرة، وهناك أيضاً جانب اقتصادي هام، فالمتمردون يسيطرون على معابر سوريا الحدودية مع الأردن، وإعادة سيطرة النظام على هذه المعابر ستُحسّن كثيراً من التجارة السورية الأردنية، وبالتالي ستُحسّن من حالة الاقتصاد المتدهور. مع ذلك، يأتي الدافع للهجوم على الجنوب من عوامل خارجية، فقد أُشيع أن روسيا قد اتفقت مع إسرائيل على السماح للأسد بإعادة دخوله الجنوب، شريطة أن لا يكون هناك أي تواجد لمليشيات مدعومة إيرانياً، بما فيها مليشيا حزب الله. 

شاهدت إسرائيل لسنوات، بكل سرور، الأسد وحلفاءه غارقين في الحرب الأهلية، وكان تدخلها بشكل عرَضي، ومع ذلك، تخشى إسرائيل احتمال تواجد دائم لحزب الله وإيران في سوريا، خصوصاً على طول مرتفعات الجولان المحتلة، بعد أن أصبح الأسد آمناً. وقد أتت نجاحات الأسد الأخيرة مترافقة مع ازدياد شديد في العداء الإسرائيلي الإيراني، لكن الوساطة الروسية قد تُخفف التوترات، فالوساطة الروسية لن تضع حزب الله وإيران خارج سوريا، كما ترغب إسرائيل، لكنها نظرياً تعني أن الجيش الإسرائيلي سيواجه حزب الله فقط على طول الحدود اللبنانية وليس في مرتفعات الجولان.

ما يبعث على السخرية، هو أن الجيش السوري سيتصرف بصفته قوة فصل بين إسرائيل وإيران، لأن إسرائيل تخشى الأسد أقل مما تخشى إيران، وتعتقد أن باستطاعة روسيا لجمه. بعض قادة المتمردين زعموا أن إيران ستلتفّ على ذلك بإلباس جنودها زي الجيش السوري، لكن لو ثبت حدوث هذا، فمن المرجح أن تنال إسرائيل موافقة روسيا على الرد.

روسيا وإيران

روسيا وإيران ملتزمتان بإبقاء الأسد في السلطة، ومن المرجح أن تبقيا في سوريا لبعض الوقت، ومن المُستبعد أن تنقلبا ضد بعضهما، بالرغم مما يأمله الحالمون في واشنطن. لكن مصالحهما متوافقة وليست متطابقة، ومن نافل القول إن إسرائيل هي أكبر نقطة افتراق بينهما. وفي حين تأمل إيران بمثابرة الضغط على عدوها، ترى روسيا الوساطة مع إسرائيل كمؤشر على أن تورطها في سوريا قد حولها إلى مركز ثقل إقليمي ينافس الولايات المتحدة، التي بقيت هادئة في السابق حول احتمال أي هجوم قادم في الجنوب، بوصفها الضامنٌ لهدنة "منطقة خفض التصعيد" عام 2017 إلى جانب كل من الأردن وروسيا. 

في الماضي، كان من الوارد أن يُصاب الدبلوماسيون الأميركيون بالذعر من الضرر الذي يلحق بسمعتهم إن سمحوا بانتهاك ضماناتهم الأمنية بكل هذه الصفاقة. مع ذلك، لم يُظهر ترامب سوى اهتمام عابر بسوريا، ومن غير المتوقع أن يكترث للهجوم، خصوصاً إن أخذنا بالاعتبار التأييد العلني للهجوم من قبل حلفائه الإسرائيليين.

التجارة الحدودية مع الأردن

لاعبٌ خارجي أخير يُساند الهجوم بهدوء هو الأردن، وهو ضامن سابق آخر لاتفاق منطقة خفض التصعيد، ويُعارض الأسد علانية، لكنه لانَ في الآونة الأخيرة، مع قيام وفد تجاري بزيارة دمشق في شهر أيار. ورغم أن الملك عبد الله يتعاطف مع متمردي الجنوب، لكنه يُقرّ أيضاً بالحاجة لإنهاء النزاع. فالأردن، شأن سوريا، سيستفيد من استئناف التجارة الحدودية، بالإضافة إلى ذلك، فإحلال السلام في الجنوب قد يسمح بعودة قسم من الـ 700 ألف لاجئ سوري في الأردن إلى ديارهم، مما يخفف العبء عن الاقتصاد الأردني. لذلك فإن حملة سريعة لكن ناجحة من قبل الأسد، دون دفع مزيد من اللاجئين إلى الأردن، سيُرَحَب بها بهدوء. 

القوى الدولية التي تعارض تقدم الأسد إلى الجنوب تتلاشى تدريجياً، فكل واحد منها يكسب شيئاً من تقدم الجيش السوري. وحتى إيران، إن أُجبرت على التراجع كشرط للهجوم، لن تعارض استعادة حليفها لأراضٍ يُسيطر عليها المتمردون، ربما لاعتقادها أنها تستطيع أن تطالب بالتعويض مستقبلاً.

النتيجة الحتمية

كما كان الحال في كثير من المرات في النزاع السوري، تمّت التضحية بخصوم الأسد المحليين من قبل حلفائهم الدوليين مقابل أولويات إقليمية أوسع، لتبقى هناك أسئلة حول مدى السرعة التي سيستطيع الأسد التقدم بها، وحول ما إذا كان سيعطي الأولوية لتقدم نحو الشرق أو نحو الغرب. 

القتال داخل مدينة درعا في الأجزاء التي يُسيطر عليها المتمردون قد تستغرق وقتاً أطول من المتوقع، ومع ذلك، فالنتيجة النهائية تبدو حتمية: بعد أن تخلى عنهم حلفاؤهم، تبدو أيام المتمردين في جنوب سوريا معدودة.

 

*أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة لندن