- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
نفط دير الزور بين «قسد» وحسام القاطرجي والنظام
نُشرت هذه المادة بالتعاون مع الشبكة السورية للإعلام المطبوع (SNP)
يشكل الاستحواذ على ثروات النفط والغاز في الجزء الخاضع لسيطرة (قسد) في محافظة دير الزور أحد الأهداف الرئيسية لنظام الأسد، وقد حاول ذلك في مرات عدة منذ خريف العام الفائت، غير أن مشاركة قوات التحالف الدولي إلى جانب قسد في المعارك ضد تنظيم داعش في الجانب الأيسر من نهر الفرات، حيث تقع حقول النفط الكبرى، ثم انتشارها هناك، أفشلت محاولات النظام تلك، ومن دون أن تحرمه الاستفادة من حصص وازنة من إنتاج هذه الحقول، معتمداً على وسطاء يأتي في مقدمتهم رجل الأعمال وعضو مجلس شعب النظام الشهير حسام القاطرجي.
خلال (9) أشهر تقريباً منذ سيطرتها على موارد النفط الأكبر في دير الزور، فشلت (الإدارة الذاتية) بإدارة هذه الموارد، وإعادة المعدلات اليومية للإنتاج إلى مستوياتها السابقة في مرحلة تنظيم داعش، لافتقادها التكنولوجيا لإجراء أعمال الصيانة للآبار الإنتاجية والآبار المساعدة، خاصة بعد الغارات الجوية لطيران التحالف، في العامين الأخيرين لسيطرة تنظيم داعش، على حقول وآبار ومحطات النفط في الجانب الأيسر من نهر الفرات.
ومثل داعش، تعتبر "الإدارة الذاتية" الأرقام الخاصة بالنفط، إنتاجاً وعوائد مالية، من الأسرار، ما يصعب الوصول إلى تقديرات كلية وقريبة من الواقع، وعلى أي حال لن يزيد الإنتاج لحقول وآبار دير الزور في الجزء الخاضع لسيطرة (قسد) عن (30) ألف برميل في اليوم، حسب تقديرات عاملين سابقين في قطاع النفط بدير الزور.
في الأشهر الأولى لسيطرة "قسد" نقلت شاحنات تابعة لما يعرف ب"هيئة الطاقة"، وهي الجسم المسؤول عن قطاع النفط والغاز في الهيكلية الإدارية المعلنة ل(الإدارة الذاتية)، تجهيزات ومعدات لم يطلها التدمير من حقل العمر النفطي (45 كم شرق دير الزور) باتجاه محافظة الحسكة، وخضعت آبار النفط لحراسة عناصر من "قسد"أو من متعاقدين مدنيين، شارك بعضهم في عمليات بيع نفط، بأسعار زهيدة لحسابهم الخاص، إلى تجار محليين ومالكي مصاف نفط بدائية، وقبل أن تفرض "قسد"، أو تفرض "الإدارة الذاتية"، نوعاً من التنظيم لعمليات البيع، ظهرت خاصة في الآبار الواقعة في بادية الجزيرة شمال بلدة خشام؛ حيث تولى ثلاثة مستثمرين (اثنان من دير الزور والثالث من الحسكة) إدارة الآبار، ونسبة تقاسم يقدم فيها المستثمرون الثلاث ل"الإدارة الذاتية" (700) برميل وقود منتج من مصافي بدائية عن كل (2000) برميل نفط خام منتج من هذه الآبار.
النفط بين"قسد" والنظام
بوجود القوات الأمريكية وانتشارها في مناطق سيطرة قسد، بل واتخاذها مقرات في بعض المواقع النفطية، يستحيل على النظام بسط سيطرته على أي من حقول وآبار ومنشآت النفط والغاز في الجانب الأيسر من نهر الفرات. وبدا مؤخراً أن النظام قد تكيف مع هذا الواقع، وغير من استراتيجيته ولو مؤقتاً في هذا الشأن، ليسعى إلى عقد اتفاقيات تبادل منافع مع "الإدارة الذاتية" في قطاع النفط (كما في قطاعات اقتصادية أخرى).
وفي الأسابيع الأخيرة، تحدثت وسائل إعلام تابعة للنظام عن مفاوضات مع "الإدارة الذاتية" وافقت بنتيجتها "الإدارة" على تسليم حقول نفط واقعة تحت سيطرتها للنظام، ورغم النفي الواضح لهذا الاتفاق من مسؤولي "الإدارة الذاتية" في تصريحاتهم، إلا أن الباب ظل مفتوحاً للوصول إلى تفاهمات يتقاسم فيها الطرفان المنافع، ومن دون أن يتولى النظام إدارة حقول النفط في محافظة دير الزور أو محافظة الحسكة.
فكلا الطرفين يدرك حاجته الماسة لهذا التقاسم، النظام بحاجته للنفط لتزويد المناطق الخاضعة لسيطرته باحتياجاتها من الوقود، وللغاز لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ويعزز من دوافعه اقتراب بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية التي أعلنتها الإدارة الأمريكية على إيران، ما سيحرم النظام مصدراً رئيسياً طالما اعتمد عليه لتلبية احتياجاته للنفط. ومن جانبها تسعى "قسد" لزيادة الكميات المنتجة اعتماداً على الإمكانات والخبرات التي تمتلكها الشركات التابعة لوزارة نفط النظام، وعلى الأرجح تصدق الأنباء المتداولة عن وصول مهندسين من الوزارة لإعداد تقارير فنية ترصد الأضرار اللاحقة بالمنشآت النفطية في مناطق سيطرة "قسد" بدير الزور، وقبل انطلاق الفرق الهندسية التابعة لها بإجراء أعمال جزئية، وحسب مقدرتها، لصيانة وإعادة تأهيل في المنشآت النفطية ومنظومات نقل ومعالجة وتجميع النفط في مواقع الحقول الرئيسية. وسيتقاسم الطرفان في المحصلة الإنتاجيات اليومية من حقول النفط.
القاطرجي مجدداً
ستستغرق أي عمليات صيانة هامة لمنشآت النفط أشهراً عدة في حال توصل النظام و"الإدارة الذاتية" لاتفاق نهائي، وحتى ذلك الحين، تبرز الحاجة مرة أخرى لوسطاء وسماسرة نفط كبار بوزن عضو مجلس شعب النظام حسام القاطرجي، وبما يحقق استجرار مستقر لكميات كبيرة ودورية من النفط الخام، وبما يلبي جزءاً من حاجات النظام.
يقول مصدر خاص لعين المدينة، إن القاطرجي زار -ومرافقوه- المنطقة الخاضعة لسيطرة قسد بدير الزور في الأيام الأخيرة من شهر حزيران الماضي، وعقد اجتماعاً في الموقع الرئيسي لحقل التنك النفطي (80 كم تقريباً شرق دير الزور) مع مدير الحقل المعين من "الادارة الذاتية"، والذي يعرف باسم (هوكر)، إضافة لمدير حقل العمر المعين هو الآخر من (الإدارة) والمعروف باسم (جوان)؛ للتحضير لتنفيذ اتفاق أبرمه مع مسؤولين كبار في حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD ) وفي "الإدارة الذاتية" الخاضعة لنفوذ الحزب.
وينص الاتفاق الذي شمل حقلي العمر والتنك إلى جانب الحقول شمال خشام، على استجرار النظام وعبر القاطرجي ما يعادل (2000) برميل يومياً من حقول خشام بسعر (100) دولار للطن الواحد، فيما يقدم النظام/ القاطرجي نحو (1500) برميل من الوقود المنتج من مصافي النظام للإدارة، وبسعر (10-12) ألف ل.س للبرميل الواحد.
قبل الثورة وبعدها حتى العام 2014، لم يكن حسام القاطرجي معروفاً على نطاق واسع، وإلى حين اتسعت أعماله التجارية، فتمتد إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش ومناطق سيطرة (PYD) وكذلك الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في مدينة دير الزور، ليعمل في تجارة المواد الغذائية والحبوب والنفط، عبر تسهيلات خاصة من الأطراف الثلاثة. ويعتقد أن القاطرجي المولود في العام 1982 ليس إلا واجهة لرامي مخلوف، الذي تولى رعايته وإدخاله (مجلس الشعب) في العام 2016 مكافأة على خدماته.
يترأس حسام القاطرجي اليوم بالشراكة مع أشقائه مجموعة القاطرجي الدولية التي تضم شركات عدة أهمها، القاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري، البوابة الذهبية للسياحة والنقل، الذهب الأبيض الصناعية، إضافة إلى شركة أرفادا النفطية.
وكذلك يستجر النظام/ القاطرجي يومياً ما يعادل حمولة (100-150) صهريج كبير بسعة (180-200) برميل لكل صهريج من النفط المنتج من حقلي العمر والتنك. وفي الأسبوع الأول من هذا الشهر، سجل وصول (800) صهريج تقريباً للقاطرجي وتابعيه إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة "قسد" بدير الزور، قبل أن تعود محملة بالنفط الخام عبر مسارات مختلفة باتجاه محافظة الرقة، ومنها إلى منطقة سيطرة النظام قاصدة مصفاة حمص.
تسبب استجرار القاطرجي لهذه الكميات الكبيرة من النفط الخام، إلى تقلص المعروض منه في الأسواق المحلية، ما رفع أسعاره أمام أصحاب المصافي البدائية، لترتفع بالمحصلة أسعار الوقود المنتج من هذه المصافي لثلاثة أضعاف عما كانت عليه أمام المستهلكين.