من ملفات جبهة النصرة في ديرالزور
اختطاف كاسر جميان قائد لواء العباس

اكتسب لواء العباس أهميته من كونه أحد أكبر التشكيلات العسكرية المنضوية تحت راية الجيش الحر في مدينة دير الزور، ومن الصلابة التي تمتع بها مقاتلوه في صد جيش النظام في قطاعات عريضة منذ الربع الأخير في عام 2012. كما اكتسب كاسر جميان القائد والمؤسس للواء أهميته من الكاريزما التي تمتع بها، كاريزما جعلت انتماء غالبية عناصر اللواء للقائد «أبي أيوب» قبل كل شيء.

في وقت كانت التنظيمات السلفية تتمدد في دير الزور أواخر 2013، كان كاسر حجراً كبيراً في طريقها. رفض بيعة عامر الرفدان، حين طَلب منه ذلك في إحدى «سفاراته» للواسطة بين الجبهة والتنظيم. وفي وقت اتهمه شرعيو الجبهة في الميادين بالعمالة للنظام، كان قد أصيب بطلقات في بطنه كادت تودي بحياته، على يد عناصر النظام في معارك مفرزة الأمن العسكري. وقبل اختطافه بعدة أيام كان قد طرد عناصر الجبهة من حاجز السياسية (مدخل المدينة الشمالي)؛ لذا كان لتغييبه وقتها أثراً سلبياً على اللواء، خصوصاً في مواجهة تنظيم الدولة الذي دخل المدينة دون قتال منتصف 2014.

في 14/01/2014، وبعد غروب الشمس، خرجت سيارة (مازدا زوم) من مدينة دير الزور يقودها كاسر قائد اللواء، وإلى جانبه راغب العلوان قائد إحدى كتائب اللواء، وفي الخلف أبو محمد الذي طلب منهم أن يقلوه إلى منطقة الحسينية. وبعد حاجز القادسية عند مدخل المدينة، وفي المسافة ما بين جسر السياسية ودوار الحلبية، اعترضت سيارة طريقهم واختفى الثلاثة. بعد عدة ساعات وصل أبو محمد إلى بلدة مراط، ليخبر عائلة كاسر المقيمة هناك، بأن سيارة من نوع (أفانتي) اختطفته مع كاسر وراغب، لكنهم ألقوا به معصوب العينين في البادية القريبة من المعامل، بعد أن عرفوا أنه مدني.

يقول أبو محمد إن كاسر وراغب لم يحترزا عندما اقتربت سيارة الخاطفين، واعتقدا أنهم بحاجة لأمر ما، «لنتفاجأ بالأسلحة التي توجهت إلينا من نوافذ السيارة، اقتادونا إلى السيارة الأخرى وعصبوا أعيننا، وتداولوا عبارات فيما بينهم توحي بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية». تحدث الخاطفون عبر اللاسلكي مع شخص سموه «أبو عمر الرفدان» -عامر الرفدان أمير تنظيم الدولة وقتها، ويتخذ من معمل كونيكو للغاز مقراً له، بقصد الإيهام على ما يبدو- وأخبروه بأنهم حصلوا على «صيد ثمين». ما إن ذاع الخبر حتى استنفر اللواء عناصره، فنشروا الحواجز في الريف الشمالي القريب من المدينة. حين حضر صفوان الحنت (أبو حازم)، أمير جبهة النصرة في مدينة دير الزور إلى المجمع الحكومي الذي يعتبر المقر الرئيسي والأكبر للواء العباس، لم يتأخر في اتهام «الدفاع الوطني» بعملية الخطف، بحسب ما كرر وقتها، وعرض خدماته للبحث عن المخطوفين.

البيهس، وهو الأخ الأصغر لكاسر، قصد «أبو محمد الشحيل» من أقوى أمراء جبهة النصرة في منطقة الميادين، الذي أقسم بأن جبهة النصرة لا علاقة لها باختطاف كاسر، وعرض خدمات الجبهة أيضاً للبحث عن المخطوفين.

«بعد مدة ظهر الشاهد الأول، والذي أخبرنا بأنه كان معتقلاً في سجن الشبْكة التابع لجبهة النصرة -وهو عبارة عن مدرسة في بلدة الشحيل- مع كاسر وراغب ومختار بلدة مراط وصحفي أمريكي يدعى بيتر، وأن المسؤول عنهم كان ماجد السرحان (أبو ماريا). ثم ظهر شاهد ثانٍ أكد الكلام السابق، الأمر الذي أحرج الجبهة، فراح أبو محمد الشحيل يتهرب منا». يقول أبو صلاح الصديق المقرب من كاسر: «إن مختار الشحيل، الذي توسط لأهل كاسر لدى الجبهة، وعد والدة المخطوف بزيارة ابنها، لكنه اعتذر بعد مدة قصيرة، معللاً أن جبهة النصرة تراجعت عن أقوالها».

«من سجن الشبْكة تم تحويلهم إلى سجن التنفيذية في الميادين» يقول أبو عبد (الأخ الأكبر لكاسر)، «ثم إلى سجن المُسبق (مسبق الصنع) في الميادين أيضاً، حيث ظهر شاهد آخر أكد وجودهم هناك». ويضيف أبو عبد «كل المعلومات كانت تدل على أن كاسر وراغب كانا لدى جبهة النصرة، بالرغم من أن تيسير علوني -المقرب من الجولاني- نفى ذلك بشكل قاطع، وأصبح يتهرب منا بعدها، وأنهم -أي الجبهة- أخذوا كاسر معهم برفقة الصحفي بيتر، حين خرجت أرتالهم باتجاه القلمون، لكننا فقدنا أثره بعد ذلك».

بعد خروج الجبهة من دير الزور بحث أخوة كاسر عنه في سجونها. وجد أبو عبد كتابات لكاسر على جدران سجن  التنفيذية يقول فيها: «15/2/2014.. كاسر جميان.. أبو أيوب قائد العباس.. أنا بكرة أتحول على مسبق الميادين». وكتابات أخرى تشير بوضوح تام إلى اسم الشخص المسؤول المباشر عن اختطافه وراغب العلوان، وأرسل لعين المدينة صورة الكتابات الأولى واحتفظ بالثانية «كي لا يحتاط الفاعل» على حد قوله.

أُطلق سراح الصحفي بيتر كورتيس بصفقة عقدتها قطر مع جبهة النصرة, واختفى كاسر جميان وراغب علوان, في قضية من بين العشرات التي بقيت غامضة حتى الآن.

كتابة حائطية لجميان في سجن (التنفيذية)
التابع لجبهة النصرة في مدينة الميادين