مقاتلو دير الزور في إدلب: داعش عقوبة.. وننتظر فرج رب العالمين

الجيش الحر سابقاً قرب مطار دير الزور العسكري- عدسة كرم - خاص عين المدينة

لم تكن للمقاتلين الذين تصدّوا لهجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على دير الزور مصائر متشابهةٌ بعد خروجهم من المحافظة وتفرّقهم في أمكنةٍ شتى.

مساءً، في قريةٍ صغيرةٍ قرب بوّابة "باب الهوى" الحدودية مع تركيا، يوقد أبو خالد النار في صفيحةٍ معدنيةٍ أمام المنزل الذي استأجره مع ثلاثة شبانٍ آخرين، انتهى بهم المطاف -مثلما انتهى به- إلى هذه البقعة النائية في ريف إدلب. يفضّل أبو خالد، وهو قائد كتيبةٍ صغيرةٍ سابق، السهر أمام المنزل رغم البرد، فقد اعتاد على "الهواء المفتوح" بحسب تعبيره منذ أن انضمّ إلى الجيش الحرّ. وهو يشيد بالأيام الأولى لمقارعة النظام، قبل أن ينبّه إلى خطورة الأموال التي أضرّت بالثورة: "المصاري وطول المدّة حرفت الناس عن مبادئها، وتحوّلت الثورة عند البعض لتجارة". يصمت أبو خالد فجأةً ليسأل الشابَّ المنشغل إلى جانبه بالتقاط إشارة الاتصال بشبكة الإنترنت عبر جوّالٍ حديث، إن كان قد تمكّن من الدخول إلى الشبكة: "لقط؟ شوف لنا شكون الأخبار!". ولا تحمل الأخبار، التي تحصّل عليها الشابّ بعد عناءٍ، أيّ جديدٍ سوى محاولات داعش المتكرّرة لاقتحام مطار دير الزور العسكريّ. تلك المحاولات التي فتحت الباب لنوعٍ جديدٍ من السجالات: "اللي قام يستشهدون عالمطار هسع همّ جيش حرّ، داعش تقاتل بشار بكتايب الجيش الحرّ"؛ "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين"؛ "ياخي خلي الناس تخلص من الطيران والقصف، وانشا الله بإيدين الشيطان يكون هالخلاص".
التقى أبو خالد ومن معه في هذا البيت بمحض الصدفة. ولم يكن يجمعهم من قبل سوى قتال النظام ثم قتال داعش، كلٌّ في فصيله أو تشكيله الخاصّ. ويظهر التنوّع السابق لهم في المواقف النقدية المختلفة الذي يأخذها كلٌّ منهم في النقاشات المتكرّرة والمفتوحة كلّ مساء؛ فيلمّح أحدهم إلى فسادٍ سرّيٍّ ومحسوبياتٍ وواسطةٍ كانت مستشريةً في صفوف جبهة النصرة، فيما يردّ منتمٍ سابقٌ إليها بالتذكير بقادة كتائب الحرّ الذين هربوا، كلٌّ بما سرقه من مال. وسرعان ما يتفق الجميع على أن داعش هي عقوبةٌ حقيقيةٌ أنزلها الله بهم، عسى أن يتعلموا ويأخذوا الدروس للمستقبل. "لو رجعنا وشلنا سلاح ما راح أنتمي إلا لجيش موحّد"، يقول الشابّ صاحب الجوّال الحديث، "من الأوّل نحن متفرّقين، وكلّ واحد بينا زعيم وقائد وقراره وتصرفاته من راسه. شوفو داعش، شوفو جيش بشار، بي راس واحد والكلّ تمشي وراه. نحن كنا قبل داعش كلّ أسبوعين نشكّل جيش وبيانات وتكبيرات، وكله عشان الداعمين والمصاري". يصمت الجميع برهةً أمام دعوة الوحدة المتأخرة هذه. ويستأنف الشاب حديثه بالتذكير بخططٍ ومشاريع قتالٍ كثيرةٍ كانت الفرقة والفوضى و"تعدّد القادة والرؤوس" سبباً لفشلها.
في النهار، ينصرف كلٌّ من المقاتلين السابقين الأربعة إلى شأنه الخاصّ في تأمين رزقه. فقد حصل أبو خالد على قطعة أرضٍ بدأ بحراثتها ليرزعها بالقمح، فهو فلاحٌ قبل الثورة. فيما نجح أحد الشبّان في امتلاك "عربة فول يترزّق منها عند البوابة". ويعمل الآخران في تحميل البضائع وتفريغها من الشاحنات. ولا تبدو قصص الهجرة إلى أوربا، أو النزوح إلى تركيا، مغريةً لأيٍّ منهم، بالرغم من صعوبة تأمين ما يكفيهم للعيش. يقول أبو خالد إنهم هنا "ينتظرون رحمة رب العالمين وفرجه". فبرأيه، يساعد البقاء في سوريا، ولو من دون سلاحٍ، على البقاء قريباً من الثورة، ويدفع النزوح أو الهجرة إلى النسيان. وهو لا يريد أن ينسى.
في القرى القريبة والبعيدة عن منزل أبي خالد ورفاقه، هناك منازل كثيرةٌ لمقاتلين سابقين من دير الزور، ترك بعضهم السلاح، وانضمّ آخرون إلى كتائب وتشكيلاتٍ في محافظتي إدلب وحلب ليواصلوا قتال قوّات الأسد، وذهب جزءٌ لا بأس به إلى القلمون الشرقيّ، ورافق آخرون أميرهم أبو ماريا القحطاني شرعيّ جبهة النصرة العام. أما الجزء الأكبر فقد استقرّ بهم حال التنقل أخيراً في المدن التركية ومخيماتها. فيما تمكنت أعدادٌ أقلّ من الوصول إلى إحدى الدول الأوربية وطلب اللجوء هناك.