- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
مخيم كهرمان مرعش للاجئين السوريّين في تركيا
عدسة مريم | خاص عين المدينة
يقع هذا المخيّم على أطراف مدينة كهرمان مرعش التركية. وقد أنشئ منذ عامٍ ونصف، بناءً على طلب سكان هذه المدينة الطيبين، الذين رغبوا بمساعدة وإيواء إخوانهم السوريين. وقد بلغ عدد اللاجئين في مخيّم مرعش ما يقارب العشرين ألفاً، قدم معظمهم من إدلب وريفها، وحلب وريفها. ويقدّم هذا المخيم العديد من الخدمات الصحيّة في مستوصفٍ وعيادةٍ لطب الأسنان، والخدمات التعليمية في مدارس ابتدائيةٍ وإعداديةٍ وثانويةٍ وروضةٍ للأطفال، ومعهدٍ لتعليم اللغة التركية، ودروسٍ لتحفيظ القرآن الكريم. ويقدّم أيضاً خدماتٍ استهلاكية، فقد تم إنشاء 3 مراكز تجارية فيه لبيع السلع الغذائية، عن طريق بطاقةٍ إلكترونيةٍ خاصّةٍ توزّع لكلّ خيمة، يمنح بموجبها كلّ شخصٍ 80 ليرة تركية شهرياً، يشتري بها ما يحتاجه من هذه المولات. ولكن اللاجئين يعانون من قلة المياه الساخنة في هذا البرد القارس، والانقطاع المفاجئ للكهرباء، التي بانقطاعها تتوقف الحياة بشكلٍ كامل.
وقاطنو المخيّم موزّعون على اثني عشر حياً، يحوي كلٌ منها مجموعةً من الخيم المجهّزة بالكهرباء وببرادٍ صغيرٍ وشوفاجٍ للتدفئة. ولكن ليس باستطاعة الشوفاج أن ينشر الدفء في أرجاء هذه الخيمة المصنوعة من القماش، يحاول أحمد (32 عاماً ) وهو نازح من ريف ادلب تثبيت أطراف الخيمة كي لا تقع على أطفاله الأربعة وهم في داخلها ينتظرون طعام الفطور الذي تعدّه والدتهم. يقف أحمد أمامنا منحني الرأس قائلاً: "جئت إلى هنا خوفاً أن أفقد أولادي، بعد أن أصبحت لا أقلق عليهم من القصف بقدر خوفي عليهم من الجوع، ففي قريتي كنت أطعمهم وجبةً واحدةً في اليوم فقط". ويقول جاره أبو صالح (40 عاماً): "توقعت أني أحمي زوجتي وأولادي من الموت بمجيئي إلى تركيا، ولكن زوجتي فارقت الحياة هنا بمرضٍ لم يعرف له الطب اسماً، وتركت لي صالح وأخواته البنات". يحاول أبو صالح إقناع ابنته الكبرى ليلى (7 سنوات) أن أمها شهيدةٌ لأنها ماتت غريبةً عن وطنها، وأنها لن تعود أبداً. ولكن الابنة أخذت تبكي تريد الذهاب إلى قرية أمها في ريف إدلب ـ حيث واراها الثرى ـ وهي تتهم والدها بأنه ترك أمها هناك.
أما علي (49 عاماً، من حلب) فقد قال: "كنت أعمل طوال حياتي معماراً، وتعلمت أن أعتمد على نفسي في لقمة عيشي. وأنا أعمل الآن في مدينة مرعش، وأتقاضى 55 ليرة تركية في الأسبوع. وولدي محمد يعمل معي، وقد تزوج منذ عشرة أيام. زوّجته فتاةً من حماة تسكن مع والدتها في الخيمة المجاورة، وقد استشهد والدها في قرية كفر زيتا فهربت إلى هنا، لتكون من نصيب ولدي".
وفي طريقنا للخروج من المخيم التقينا بدعاء (29 عاماً) محمرّة العينين وهي تصرخ عند باب الإدارة، مخاطبةً المسؤولين الأتراك: "يعني بدكم تذلّونا لأن إجينا لعندكم!! ومن وين بدي جيب أمي وأبوي لتعطوني خيمة؟". أخبرتنا دعاء أنها وأخاها الصغير كانا يسكنان مع عائلة أخيهم الأكبر في خيمةٍ واحدة، حتى طردتهم زوجة أخيهم منها إثر خلاف، فصاروا ينامون عند أقاربهم. وحاولت دعاء كثيراً الحصول على خيمةٍ مستقلّةٍ لها ولأخيها، ولكن مسؤولي المخيّم رفضوا بحجة أنه لا يحق منح خيمةٍ للاجئ الأعزب، بل يجب أن يكون بصحبة أحد والديه. ومن أين ستحصل دعاء على أمٍّ أو أب، وقد دفنتهما في سوريا وهربت إلى تركيا تبحث عن الأمان؟!!
تمنينا لدعاء أن تحصل على خيمة، وللجميع أن يعودوا إلى منازلهم بسلامٍ آمنين، وأن يزول عنهم هذا الألم القاتل الذي لا يعرف طعمه إلا من ذاقه.