عدسة رزق | خاص عين المدينة
لمخيم قطمة قصة فريدة، بدأت قبل سبعة أشهر، عندما قدمت بعض الأسر بقصد اجتياز الحدود إلى الأراضي التركية فلم تتمكن من ذلك، فنصبت بعض الخيام بشكل مؤقت. ويوماً وراء يوم تكاثرت الخيام وكثر العالقون على الحدود ليتجاوز عددهم الثلاثين ألفاً، جاؤوا من حمص وحماة وحلب وإدلب.
لم تعد الخيام المقدمة من الهيئات الإغاثية تكفي. وينام اليوم أكثر من 300 عائلة في العراء، تحت أشجار الزيتون القريب. يعيش الجميع هناك معيشة لا تطاق.
يقول خضر، وهو رجل نزح وأطفاله الخمسة من حي صلاح الدين في حلب، إنه كره كل شيء. فبعد نزوح تنقل فيه من حلب إلى حماة إلى قطمة أنفق كل ما يمتلك من مدخرات، وباعت زوجته إسوارتها الوحيدة، وصار مجرد عالة ـ كما يصف نفسه بألم ـ على هيئات الإغاثة التي لم تعد تستطيع إطعام ثلاثين ألف بطن جائعة تأكل ثلاث وجبات في اليوم.
يبذل المتطوعون العاملون في المطبخ قصارى جهدهم في تقديم وجبتين، لا تكفيان أبداً لإشباع الصغار أو الكبار. ولا يمكن لهم ـ كما يقول أحد الطباخين ـ أن يغطوا الأعداد المتزايدة. ولا تقدم منظمات الإغاثة سوى عبوة من نصف ليتر من المياه النظيفة لكل فرد، وهي ربع الرقم الأدنى الذي يحتاجه الشخص يومياً.
في مقدمة هموم قاطني مخيم قطمة يأتي تأمين الطعام والماء النظيف وفرصة قد تتاح لهم في مرافق المخيم العامة للاستحمام من التراب والوحل الذي يدخل حتى إلى الأغطية.إنه الشقاء والجوع والعطش والبرد الذي يظهر على وجوه أغلبية سكان هذه الخيام التي تغيب في ظلام دامس بعد غروب الشمس. فلا كهرباء هناك، ولا رعاية صحية، ولا أي خدمة من الخدمات الضرورية التي يحتاجها الكائن الحي.
لا ينفع التذمر وعبارات النزق التي يدمدم بها أبو إبراهيم، وهو الشيخ الذي تجاوز الثمانين، في جلب مزيد من الخبز،
أو استعجال وجبة الغداء. ولا ينفع تعاطف زوجته العجوز أو محاولاتها في تهدئته في ذلك، فأبو الأولاد ـ كما تعرّف النسوة أزواجهن بعد اقتران دام لأكثر من نصف قرن ـ يشعر بالجوع ولا تكفي خبزتا الصمون لتشبعانه ليوم كامل. تتذكر أم إبراهيم بيتها الكبير ذا الطابقين في بابا عمرو، الذي تهدم وتهدمت تحته أركان الذات، وتقطعت في ركامه نياط القلب، ولكن ما يزال لقلب أم إبراهيم قدرة على الألم وعلى الأمل بعودة الأبناء الأربعة، فهم في مكان ما من هذه البلاد، لا تعرف عنهم سوى ما تتمناه لهم ـ ودون أخبار أكيدة ـ أنهم ما زالوا على قيد الحياة.
فاطمة جاءها المخاض، وهي النازحة من حلب، إلى شجرة زيتون في قطمة. والخيمة للوافدين الجدد حلم، ولمن سبقهم إلى المخيم ثروة لا تقدر بثمن. وبين ستائر علقتها النسوة بأغصان الشجرة تشكل حيز صغير ولدت فيه فاطمة طفلها الثالث، الذي كان يومه الأول في العراء. ولا يتمنى له أحد أن يتذكر شيئاً من هذا العذاب في المستقبل.
يتراكض إخوته مع أطفال آخرين في شوارع المخيم الموحلة، فرغم البرد والجوع ما يزالون مصرين على اللعب وقادرين على المرح، ووحدهم في تجاهلهم لظرفهم المستحيل يبعثون الأمل ويخففون شيئاً من قسوة المشهد الذي لا يطاق. وفي يوم الجمعة يتحضر الصبية لحمل أعلام الثورة بعد صلاة الجمعة، والهتاف بأعلى أصواتهم للحرية والعودة وإسقاط النظام.