قصص زواج السوريات من "مهاجري" داعش

  أسهمت عدّة عوامل في عشرات حالات زواج سورياتٍ من "مهاجرين" من عناصر تنظيم الدولة في المناطق التي يسيطر عليها. لكن، وبالرغم من عدم وجود إحصائياتٍ دقيقةٍ حول أعداد هذه الحالات؛ فإنه يصعب الحديث عن تحوّلها إلى ظاهرةٍ، نظراً للظروف الاستثنائية التي تحيط بها من جهةٍ، ولبقائها محصورةً ضمن فئاتٍ اجتماعيةٍ معينةٍ، من جهةٍ أخرى.

فتياتٌ قاصراتٌ ومهورٌ عالية

لطالما تلازمت ظروف الفاقة المادية وقلة التعليم مع إقدام الأسر على تزويج بناتها القاصرات في الماضي. أما اليوم، وفي خضمّ الكارثة السورية، فقد عُرف عن العناصر المهاجرين غناهم، في الوقت الذي يستخدم بعضهم الآخر الترغيب بالتقرّب من سلطة التنظيم، والترهيب، في أحيانٍ أخرى، لإجبار الأهالي على تزويجهم. تقول أم عمر، من أهالي مدينة الطبقة: قام التنظيم بإنذار جيراني بإخلاء شقتهم خلال 48 ساعةً، من أجل الاستيلاء عليها وجعلها ملكاً للتنظيم، بحجّة عدم وجود عقدٍ يثبت ملكيتها. وبعد مدّةٍ فوجئت بأنّ الجارة أم أحمد لم تُطرد من الشقة، ولأعلم بعدها أنها زوّجت ابنتها ذات الـ10 أعوام لأحد عناصر داعش مقابل البقاء. قالت وهي تبكي: "ما كان عندي حلّ ثاني. وين نريد نروح؟ نصفى بالشارع يعني؟ ما عندنا مكان يأوينا. عرض عليّ مهاجر ليبي أنه أزوّجه وحدة من بناتي مقابل أنه يخلينا بالبيت، ووافقت. لكن صوت سارة ما يفارقني. وقت أخذوها مني كانت تصرخ وتبكي: ماما ما ريد. خلّوني معكم. أريد أظلّ مع أخواتي. الله يخليكي قوليلهم لا". وفي قصةٍ أخرى تتحدّث إحدى الشاهدات من مدينة منبج عن المهور التي يدفعها العناصر للأهل: قام جارنا بتزويج ثلاثٍ من بناته لمهاجرين أتراك، مقابل مهرٍ قدره مليون ونصف مليون ليرةٍ سوريةٍ لكلٍّ من بناته اللواتي لم يبلغن الـ15 سنة. كما يقول أبو سامر، من سكان الريف الشرقيّ لدير الزور: زوّج عمّي ابنته، البالغة من العمر 16 عاماً، من مهاجرٍ تونسيٍّ مقابل مهرٍ قدره مليوني ليرة سورية.

زواجٌ مؤقتٌ وعقودٌ شكلية

يستسهل عناصر التنظيم الطلاق. ويرجع ذلك، على الأغلب، إلى افتقادهم لنية الاستقرار والاستمرار في زيجاتهم، بالإضافة إلى أنّ التقرب من المجتمعات المحلية يعدّ أحد أسباب الزواج. ويتم الطلاق غالباً لدى تغيير العناصر لأماكن إقاماتهم، أو في أوقات الهزائم والانسحابات. وهذا ما جرى في الزيجات التي عقدت مع بنات قرية الدانا، التي كانت معقل التنظيم في إدلب، إذ أقدم العناصر على تطليق زوجاتهم قبل أن يفرّوا في بداية العام الماضي. وفي حين لا يبدي عناصر التنظيم أيّ التزامٍ أخلاقيٍّ تجاه زوجاتهم؛ يشترط المهاجرون عليهنّ عدم الحمل. تقول شقيقة ندى (17 عاماً. من أهالي ريف دير الزور الشرقيّ): بعد مرور خمسة أشهرٍ على زواج أختي قام زوجها التونسيّ بتطليقها لأنها حملت. فقد أثار موضوع الحمل غضب المهاجر الذي أقدم على ضربها ضرباً مبرّحاً بحجة أنها خالفت الشرط المتفق عليه بعدم الحمل. كما عُرفت حالاتٌ مماثلةٌ ولنفس الأسباب في مناطق أخرى. تقول أم عائشة، البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، من إدلب، والتي كانت متزوجةً من مهاجرٍ من كازاخستان: كان سبب طلاقي هو إخلالي بشروط الاتفاق بيني وبين زوجي. فبعد مرور عامٍ على زواجي حدث الحمل. وعندما علم غضب كثيراً وهجرني. ثم رمى عليّ اليمين وتمّ الطلاق. وتشير أم عائشة إلى أنه قد تمّ تزويج قرابة المئة من البنات لمهاجرين أجانب وعرباً في مناطق إدلب، لكنها لم تشاهد أو تسمع عن أية حالة حملٍ أو إنجاب، على حدّ قولها.
تفتقر عقود الزواج بعناصر التنظيم إلى الصفة الرسمية، إذ تنعقد بالإيجاب والقبول، بحضور أحد شيوخ التنظيم والشهود، لتودع الورقة في المحكمة الشرعية. وهذا لا يضمن شيئاً من حقوق الزوجة، سوى المهر المقدّم لأبيها والذي تمّ دفعه. وإذا كانت الأوضاع الكارثية التي تمرّ بها البلاد قد ساعدت على ظهور هذه الحالات؛ فإنّ الآثار السلبية التي تنتج عن مثل هذه الزيجات بدأت تتكشف بالرغم من الجهل.