في مدينة السلمية.. يبيع الناس أثاث منازلهم ليأكلوا

من مدينة السلمية - انترنت

لم يعُد غريباً في مدينة السلمية أن يحمل رجل ما أو امرأة، أداة من الأدوات الكهربائية أو قطعة أثاث من المنزل، ليعرضها للبيع في سوق الجمعة شرق المدينة، فالقفزات الأخيرة بأسعار المواد الغذائية وغيرها من السِّلع الضرورية للعيش، لم تُبقِ لاقتناء تلك الجمادات أيَّ معنى، طالما باتت الأسرة مهدَّدة بالجوع. 

"نحن ما عم نتهدَّد بالجوع" يقول حمزة (اسم وهمي)، وهو موظف حكومي يعمل أحياناً سائق سيارة أجرة "نحن جوعانين بالفعل" لأن 14 رغيف خبز حصَّته وفق دفتر عائلته المكوَّنة من 6 أشخاص، لا تكفي "لسندويشة لكل واحد بكل وجبة“، وبحساباتٍ يجمع فيها راتبه وراتب زوجته معلمة المدرسة، ويجمع فيها النفقات الضرورية والعاجلة يبدو العجز كبيراً جداً، لا سيما في فصل الشتاء بين موارد هذه الأسرة ونفقاتها. بالنسبة للموظفين الذين قضوا سنوات طويلة من الادخار المُضني في بناء أو شراء منزل وتأثيثه، يُعدُّ بيع أي شيء من المنزل ودون استبداله انكساراً وإعلان هزيمة، لأن كل قطعة فيه كانت مشروعاً تطلَّب تخطيطاً وتقشُّفاً مسبقاً بسلف وجمعيات وقروض. 

مثل أيِّ مكان آخر في سوريا اليوم، حدثت تبدُّلات اجتماعيَّة حادة. حيث فقدت الأسر التي يعيلها أب وأم من الموظفين وصْفَها المجازي بأنها "ميسورة" في مدينة فقيرة مثل السلمية، وفقدت الطُّموح الذي عزَّزته في الماضي نجاحات صغيرة ومعتادة  لهذه الشريحة، مثل شراء بيت، تأثيثه، ادِّخار مبلغ شهري لسدِّ احتياجات الأبناء حين يدخلون الجامعة. فكلُّ ما تريده هذه الأسر الهابطة إلى خانة الفقر المدقع هو الصُّمود اليوم وإن كان صموداً يائساً وإلى أجل غير مسمى. بالمقابل صعد بعض أبناء المدينة من القاع ليصبحوا ذوي ثروة وسطوة ونفوذ. يشكِّل سمير الظريف قائد فوج الظريف في ميليشيا قوّات النمر، مثالاً نموذجياً عن هذا الصعود، فمن أجير أو بائع خضار على عربة يقيم مع زوجته بغرفة في منزل أهله  قبل الثورة، أصبح الظريف ومنذ العام 2014 واحداً من أغنى أبناء السلمية، يقيم في فيلا ويهدي ابنته الصغيرة في عيد ميلادها 10 ملايين ليرة، ويمتلك مَزارع وعشرات المنازل بين مدن حماة ودمشق واللاذقية، ولا يتحرك إلا بموكب من عشر سيارات على الأقل. فلتأتِ "أمريكا إسرائيل الشياطين ما بقى تفرق معنا المهم نخلص" يقول حمزة الذي كان شاهداً بالصُّدفة على "غنائم ديرالزور" التي دخل بعضها إلى مزرعة للظريف قرب السلمية، وكان فيها قطيع أغنام نقلت في اليوم التالي لتباع في حماة، وفيها أكثر من 20 جملاً ما يزال الظريف يحتفظ فيها في المزرعة، وسوى ذلك من حمولة 10 شاحنات كبيرة كانت حصَّة الظريف من "غزوة ديرالزور“.

في المدينة التي يُقدَّر عدد سكَّانها بـ(130) ألف نسمة وكانت تشكل سوقاً للقرى القريبة حولها في بادية حماة، أغلقت بعض المحلات التجارية أبوابها، "لأن الناس ما عم تقدر تشتري أي شي" يقول علي (اسم وهمي) وهو تاجر ألبسة ينوي تصفية أعماله بعد كساد بضاعته وتآكل قيمتها نتيجة لانهيار الليرة، لأنه لا يرى لهذه الأزمة نهاية وأيَّة محاولة للسفر وحتى لو كانت مغامرة مثل الرحلة التي يُخطِّط لها، إلى بيروت ثم إلى أربيل في شمال العراق جواً، ثم إلى تركيا تهريباً ومنها تهريب أيضاً إلى اليونان، أضمن من البقاء في هذا "البلد التَّعيس". 

في النصف الأول من العام الحالي، نشطت في مدينة السلمية شبكة تجنيد لمقاتلين مرتزقة للقتال في ليبيا لصالح شركة ”فاغنر“ الروسية. ووفق تقديرات علي الذي يفسر هذه الظاهر على أنها مجرد وسيلة خلاص ولا تحمل أي معنى سياسي، انتسب إلى هذه القوات أكثر من 100 شاب من أبناء السلمية، نصفهم تقريباً طلَّاب جامعات ومعاهد. لكن ومنذ شهر أيلول الماضي توقَّفت عملية التَّجنيد ما "حرم" أعداداً أكبر شجَّعها الراتب (ألف دولار) من فرصة التحوُّل إلى مرتزقة، لكن سرعان ما تجددت آمال هؤلاء مع الأنباء عن حاجة ”فاغنر“ لمقاتلين سوريين في فنزويلا وبراتب أعلى.

سمير الظريف- انترنت