في دمشق ومدن أخرى إقبال هائل بين النساء على عمليات التجميل.. 250 ألف ليرة لحقن البوتوكس و10 ملايين لنحت الجسم وإعادة توزيع الدهون

في الممر الذي تحول إلى غرفة انتظار في عيادة طبيب التجميل راني خاجو قرب دوار السبع بحرات وسط مدينة دمشق، لم تكن هنالك مقاعد فارغة؛ عشر نساء كن ينتظرن الطبيب المنشغل مع ثلاثٍ أخريات بآن معاً، توزَّعن على غرفة المعاينة وغرفة الـ"بوتوكس" وغرفة الـ"فيلر"، فيما انتظرت اثنتان غيرهن في الشرفة المغطاة بالزجاج لتصبح شبه غرفة تستوعب الفائض من "المريضات" إلى جانب البراد المستعمل لحفظ مواد التجميل والحقن المتنوعة.

وسط هذا الحشد النسوي الصغير لم تُبدِ أية واحدة تذمرها من الانتظار، فالأمل بتغيير شكلها نحو الأجمل يستحق الانتظار والتحمل، كما تساعد الأحاديث المتبادلة مع الأخريات -والنظر مطولاً إلى  الصور الدعائية الملصقة على الجدران (وجوه وأجساد غدت أكثر شباباً وأنوثة بعد التدخل التجميلي عما قبل)- في إشغالها، وتعزيز الثقة بأن الوقت والأموال والعناء الذي تتطلبه عملية التجميل لن تذهب سدى، بل ستجعل منها "أحلى بكتير عن قبل"، كما قالت شابة محجبة مبررة رغبتها بـ"عيون القطة" لسيدة حاسرة تريد نفخ شفتيها وتلوينهما باللون الوردي لتستغني نهائياً عن أحمر الشفاه.

في غرفة الـ"بوتوكس" يقبض الدكتور خاجو الذي يتقن اللهجة الشامية رغم تحدره من الساحل، أتعابه ممن يسميهن بـ"المريضات"؛ وكان خاجو من أوائل أطباء التجميل الذين طوروا أدوات المحاسبة لديهم بإدخال آلة عد النقود إلى عياداتهم، "عشان السرعة وكمان في عملة مزورة" كما يقول مبتسماً لـ"مريضاته"، مذكراً بأنه يقبل الليرة السورية رغم تدهورها، في حين يحصر جراحو تجميل آخرون تعاملاتهم بالدولار فقط، مثل الدكتور أحمد زاهر حمصية الذي يجري عملياته في مستشفى الشامي حصراً، ويعد الأوسع شهرة والأعلى أجراً "مو بالشام بس إنما بالشام وحلب واللاذقية وسوريا كلها" كما تقول سهام الممرضة التي تنقلت للعمل لدى أكثر من طبيب ومركز تجميل، قبل أن تنتقل إلى اللاذقية وتباشر التحضير لمشروعها الخاص في المجال ذاته، بتمويل من تاجر يريد استثمار بعض أمواله في هذه السوق المزدهرة التي جذبت طيفاً متنوعاً من الممولين، يأتي أثرياء الحرب في صدارتهم، حيث افتتح بعضهم وبالشراكة مع أطباء تخرجوا حديثاً من هذا الاختصاص، العديد من المراكز بين دمشق وحمص واللاذقية.

 بحثاً عن زوج بالنسبة إلى العازبات، أو بهدف الحفاظ على الزوج "مشان عينه ما تطلع لبرى" بالنسبة إلى المتزوجات، وفي ظل التناقص الحاد بأعداد الشبان وتضاؤل فرص الزواج، اتسعت ظاهرة الإقبال على عمليات التجميل بعد الحرب، رغم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مناطق سيطرة النظام. وبحسب سهام "ما بقى شباب للزواج.. اللي استشهد استشهد بهالحرب واللي هاجر هاجر، واللي ضل عايش يكون عايف حاله ويا دوب عايش".

تقول نورا المتخرجة حديثاً من كلية الحقوق إنها أقنعت أمها بضرورة تجميل أنفها، ليس ترفاً إنما لزيادة فرصتها بالعثور على "شي إبن حلال“. تحدثت الأم إلى ابنيها اللاجئين في ألمانيا، وطلبت منهما إرسال ألف دولار "عشان أختكن بلكي يمشي نصيبها".

وتقدمت غصون وهي موظفة حكومية متزوجة من موظف، بطلب للحصول على قرض لتجري عملية شد للوجه، لأنها تخاف أن يتورط زوجها بعلاقة مع "شي وحدة من هالموظفات الفرافير الصغار" قد تنتهي به إلى الزواج منها، كما وقع مراراً بين شابات صغيرات ورجال متزوجين أكبر سناً بكثير.

عامل إضافي قد يكون سبباً في نمو هذه الظاهرة، هو أموال الحرب التي دفعت بزوجات بعض أثريائها ومن مختلف المستويات إلى البحث عن مجالات جديدة للإنفاق والتنعم بهذه الثروات التي هبطت عليهم فجأة، كما في حالة الشقيقتان أمل وبيان، اللتان تطوع زوجاهما الشقيقان أيضاً بميليشيا تتبع للفرقة الرابعة بريف دمشق.

في السابق كانت المرأة تتكتم على خبر إجرائها عملية تجميل. تبدَّد الحرج اليوم إزاء هذه الظاهرة، وشاع الإقرار وأحياناً التباهي بعمليات التجميل في مجتمعات النساء، لكن الأمر الذي تحرص الكثير منهن على إخفائه هو مصدر الأموال التي تتطلبها هذه العمليات، التي تبدأ تكاليفها من 250 ألف ليرة لحقن البوتوكس والفيلر حول العينين والفم، و10 ملايين وأكثر لعمليات نحت الجسم وإعادة توزيع الدهون بين أجزائه.

 فرغم زعم منى وهي مديرة متوسطة الأهمية في الشركة السورية للتجارة، أنها أجرت عملية شد للوجه والرقبة بعد أن باعت مصاغاً ذهبياً لها، إلا أن الاختلاس من خلال الوظيفة هو المصدر الحقيقي لتكاليف العملية. وبعد أن تعرفت رويدة معلمة المدرسة القادمة من ريف جبلة على عنصر لبناني نافذ في حزب الله ويقيم أغلب وقته في دمشق، وافقت على الزواج منه متعة وسراً، وانتقلت من غرفة مستأجرة في حي عش الورور الفقير إلى منزل اشترته في مزة 86، وأجرت سلسلة عمليات بين الصدر والأرداف والساقين، فضلاً عن حقن البوتوكس الدورية (كل 6 أشهر) بأموال العنصر اللبناني أو أموال حزبه.