في الريف الغربيّ لدير الزور

آثار غياب العمل الخيريّ والإغاثيّ تظهر في رمضان

يمرّ شهر رمضان هذا العام على قرى ومناطق الريف الغربيّ لدير الزور في ظروفٍ معيشيةٍ غايةٍ في الصعوبة، يعاني فيها الأهالي أثر البطالة المستفحلة والغلاء الجنونيّ في الأسعار. في الوقت الذي توقف فيه نشاط الجمعيات الإغاثية والعمل الخيريّ الأهليّ بسبب قوانين تنظيم الدولة الذي تجوب سيارات حسبته وجُباتُه الشوارع لتحرص على تطبيق تلك القوانين.

بعد اندلاع الثورة السورية، واقتحام قوّات النظام لمدينة دير الزور، وما تبع ذلك من قصفٍ ومعارك؛ نزح الكثير من سكان المدينة إلى قرى الريف الغربيّ. وفي تلك المرحلة بدت مظاهر العمل الجماعيّ الخيريّ تتمثل في التضامن الأهليّ لسدّ النقص في الحاجات الأساسية للنازحين وللأسر المحتاجة من خلال حملات جمع التبرّعات المادية والعينية من الميسورين، واستقبال تبرّعات المنظمات الإغاثية التي ساعدت، في مرحلةٍ لاحقةٍ، على تسيير قوافل الحصص الغذائية والمواد الأساسية اللازمة لتوزّع على النازحين في المنازل والمدارس. وكان ذلك آخر ما أقدم عليه المكتب الخيريّ لقرية الكَسْرة، قبل أيامٍ من دخول داعش إلى المنطقة وسيطرتها على قرى الريف الغربيّ، حين قام المكتب بتوزيع الحصص الغذائية التي كانت في مستودعه، بسبب معرفته لما قد يقدم التنظيم على فعله بعد اقترابه من المنطقة.

ومع سيطرته على تلك المناطق؛ أوقف تنظيم الدولة نشاطات المكاتب الخيرية وحملاتها، وحصر العمل الإغاثيّ بما يسمّيه "ديوان الزكاة"، الذي فرض على أصحاب المصالح والأعمال تقديم الزكاة له، وعدّ أية مساعداتٍ تقدَّم بشكلٍ مستقلٍّ للمحتاجين صدقةً لا تغني عن أداء الزكاة للديوان المفترض أن يتولى وظيفة توزيعها على الفقراء والمعوزين. لكن الأمر لا يتمّ هكذا دائماً، بحسب أحد سكان قرية محيميدة، الذي قال: "داعش يوزّعون الزكاة بس على عوائل شهدائهم. أما باقي الشعب لازم يسكت ويتنعّم بالأمن والأمان".

ودفع هذا الحال المتردّي إلى ازدياد ظاهرة التسوّل. إذ يستطيع المارّ في بلدات الريف الغربيّ، ومن ضمنها محيميدة، أن يصادف في شوارعها العديد من سائلي الطريق يطوف بعضهم على المنازل يطلبون المال أو الطعام، فيما تقود فتاةٌ صغيرةٌ عجوزاً ضريراً يمسح الطريق خلال النهار طلباً للإحسان وسد الحاجة. وفي الوقت عينه؛ يستطيع المارّ أن يلحظ أيضاً عناصر التنظيم وهم يملأون المطاعم وقت الإفطار، بينما يقف بعض الأطفال كالقطط على مقربةٍ منهم، ينظرون بعين الجوع عسى أن تنال صوانيهم الفارغة بعض الفتات.

وذكر أحد سكان مدينة الكسرة أنه شاهد، منذ أيامٍ، عجوزاً تطلب مساعدةً من عنصرٍ من عناصر داعش في أحد مطاعم القرية، فما كان ردّ الداعشيّ إلا أن قال لها اذهبي وسجّلي اسمك في ديوان الزكاة، لتردّ عليه بقولها "ما يمّي إيجار أروح لغادي"، ليجاوبها بأن يطلب منها المغادرة.

لم تشهد مناطق الريف الغربيّ هذه المظاهر في رمضانات الأعوام السابقة، حتى في أحلك أوقات القصف. فقد شهد الجميع على تضامنٍ كبيرٍ بين الميسورين والفقراء. وساعد في ذلك نشاط الجمعيات الإغاثية التي كانت تقدم عوناً مقبولاً إن كان للنازحين أو لأصحاب الحاجة من الأهالي.

يقول أحد كبار العمر في الكسرة: كنا نخجل، وما ناكل ولا نشرب، لما يكون بي واحد محتاج وما نقدر نساعدو. مو بس برمضان، حتى بكل الأيام. بس هسه دوبنا نطعمي حالنا. وهذول –قاصداً عناصر التنظيم- المهم أنهم يشبعون، ومو فارق معاهم لا محتاجين ولا نازحين.