في إدلب.. 120 مريضاً يشخصون في الشهر والظروف الصعبة تمنع بعضهم من تتمة العلاج

جدارية للرسام عزيز اسمر في إدلب تضامناً مع مرضى السرطان (انترنت)

تتزايد أعداد مرضى السرطان في إدلب منذ سنوات ثلاث، حيث يلجأون إلى قسم الأورام في مستشفى إدلب المركزي في مدينة إدلب، وهناك أشار أكثر من طبيب قابلتهم عين المدينة إلى ملاحظتهم تلك الزيادة، دون أن يستطيع أحد منهم البت فيها أو الوقوف على أسبابها إن وجدت، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة علمية دقيقة ليس بالإمكان إجراؤها. في حين قلل البعض من شأن الملاحظة ورأوا أن الحالات في "حدودها الطبيعية". أما المرضى فلا يقف الحال بهم عند حدود البحث عن علاج، بل يصل إلى الاختيار بين "الشفاء المكلف" والأمل مع البدائل المتاحة.

بعد أن تلقت فاطمة (39 عاماً) 7 جرعات كيماوي لسرطان الثدي وشفيت، طلب منها ملهم خليل الطبيب في قسم الأورام في مستشفى إدلب المركزي في مدينة إدلب الذهاب إلى تركيا للخضوع إلى العلاج الإشعاعي الذي يساعد على عدم عودة المرض إليها في الأيام القادمة، لكن لفاطمة التي تعيش في معرة مصرين حسابات أخرى ليس على رأسها عودة المرض.

أنواع كثيرة من الأمراض السرطانية يستقبلها المركز الوحيد لعلاج الأورام في مستشفى إدلب المركزي وسط مدينة إدلب منذ منتصف العام 2019، وقد شهدت زيادة ملحوظة بعد موجة النزوح الأخيرة إلى الشمال السوري في هذه الأمراض.

يعترف طبيب الأورام أيهم جمو من سلقين ويعمل فيفي مستشفى إدلب المركزي بهذه الزيادة، لكنه لا يستطيع تحديد أسباب تزايد أعداد المرضى بالضبط، حتى بمساعدة كامل الكادر الطبي هناك. ويفيد بأن ذلك يحتاج إلى دراسة مكثفة وموسعة وبحث علمي خاص، لكنه يشير في حديثه لعين المدينة، إلى إمكانية حدوث تلك الأمراض وزيادتها بسبب التعرض للمواد السامة التي تنتشر في الهواء والتراب بسبب القصف الكثيف الذي تعرضت له هذه البقعة الصغيرة من الأرض.

وفي الوقت الذي ينفي جمو فيه التأثير النفسي للخوف من القصف في هذا المرض بالذات، أكد طبيب آخر من ذات الاختصاص في المستشفى فضل عدم ذكر اسمه، على التأثير النفسي كالخوف والحزن وغيره من المشاعر السلبية  على المناعة، وبالتالي على الأمراض الجسدية بشكل عام.

بينما اعتبر الطبيب جمعة خليل طبيب قسم الدم في المستشفى أن "هذه الزيادة تواكب الزيادة الحاصلة في كل دول العالم، وليس فقط في سوريا أو المحرر"، أي أنها في "الحدود الطبيعية".

لا توجد إحصائية معينة لحجم الزيادة كما يوضح الدكتور جمو، ويكتفي بذكر هذه الأعداد والتقديرات فيقول: "يقدر عدد المرضى المراجعين للمركز بهذا المرض ب 1200مريض يراجعون المركز شهرياً، وحوالي 500 مريض يتلقون علاج بالجرع الكيماوية شهرياً، أما التشخيص بالمرض فيقدر شهرياً ب 120 مريضاً".

تشرف الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) بشكل كامل على قسم الأورام فيفي مستشفى إدلب المركزي في إدلب، والتي افتتحت القسم الذي يقصده مرضى السرطان اليوم بداية أيار 2019، في حين كان عليهم أن يتوجهوا إلى تركيا لتلقي العلاج. وتقدم الجمعية علاجاً لستة أنواع من الأمراض السرطانية هي (سرطان الأطفال، سرطان القولون، سرطان الثدي، اللمفوما، سرطان الخصية وسرطان المبيض).

فاطمة التي حولها الطبيب إلى تركيا رفضت أن تسافر إليها، وقالت بأنها تريد أن تتلقى العلاج في سوريا إلى أن تعدم الوسيلة، وبأن الذهاب إلى تركيا سيكون آخر خيار لها. يقول طبيبها ملهم أن العلاج الشعاعي غير موجود في سورية بالكامل، وهو آخر ما توصل إليه الطب الحديث بالإضافة إلى العلاج المناعي، وهو ضروري لمثل حالة فاطمة لضمان عدم عودة المرض إليها. على أن استكمال العلاج في تركيا يحتاج إلى مصاريف إضافية، لذلك يفضل بعض المرضى عدم السفر والاستمرار في تلقي ما يتوفر من العلاج داخل سوريا مهما كانت ظروفهم المرضية صعبة. وهكذا كان حال فاطمة.

يعتبر التشخيص المبكر للمرض أمراً مهماً، فقد استفاد أيمن (32 عاماً مهجر من مدينة حمص) من اكتشاف مرض اللمفوما بوقت مبكر، وتلقى عدة جرعات فيفي مستشفى إدلب المركزي في مدينة إدلب، وبعد ذلك خضع للفحص عبر الصور والتحاليل التي أكدت شفاءه بشكل تام، فعاد يزاول حياته بشكل طبيعي في سرمدا حيث يعيش منذ نروحه.

وعن مدى مساعدة الأدوات الطبية الموجودة في المحرر للتشخيص المبكر، يقول الطبيب جمو أن مثل "هذه الأدوات متوفرة بنسبة 90 بالمئة، ما عدا صورة ومضان العظام التي تحتوي على مواد مشعة، وهي ممنوعة أصلاً من الدخول إلى المحرر".

على المقلب الآخر تنتشر في شمال إدلب خاصة بين المرضى وذويهم، آراء خبراء التغذية والأعشاب الشعبيين في مرض السرطان وأسبابه وطريقة التعامل معه، فقد رد بعضهم أسباب المرض إلى "كثرة الأغذية المصنعة"، فنصحوا المرضى ب"تقوية مناعة أجسامهم، إضافة إلى العلاج الكيماوي عبر الأغذية الصحية الخالية من المواد الحافظة كالمعلبات التي زاد استخدامها بسبب النزوح، حيث تعتمد عليها أغلب المساعدات الإغاثية، والتقليل من مادة السكر، والابتعاد عن المواد السامة كالمبيدات الحشرية، والامتناع عن استخدام  المنظفات المركزة"، وفق ما رصدت عين المدينة.

تتمتع الحاجة يسرى (63 عاماً نازحة من حاس)، بصحة جيدة بعد أن عالجت نفسها من مرض السرطان في الرحم منذ عشر سنوات. تقول: "بعد شفائي من المرض وضعت نظاماً صحياً لغذائي يعتمد على زيت الزيتون والغذاء الطبيعي غير المصنع  قدر المستطاع، وأنا الآن بحالة جيدة والحمد لله، أواجه المرض والنزوح والنظام بوقت واحد فجميعهم ظالمون".