- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
على شكل مجموعات... أطفال في إدلب يمتهنون السرقة والنهب
انتشرت في محافظة إدلب مؤخراً مجموعات من الأطفال تمتهن السرقة والنهب، بحيث تشمل أهدافهم كل ما تقع عليه أعينهم سواء كان ذلك من أسطح المباني كالأسلاك الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية ونواشر الإنترنت، أو من الأسواق وما يعرض أمام المحلات من بضائع، إضافة إلى سرقة بطاريات السيارات والدراجات النارية وانتشال حقائب السيدات والأحذية من أمام أبواب الجوامع، الأمر الذي يضيف جنوح الأطفال إلى كل "التدابير القصوى للبقاء على قيد الحياة، مثل التوجّه إلى عمالة الأطفال وزواج القصّر والتجنيد للقتال، وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في سد الرمق" كما حددتها اليونيسيف في وقت سابق.
إذ لم يعد الأطفال في إدلب يعيشون حياة طبيعية منذ أن وضعتهم ظروف الحرب والنزوح والفقر أمام خيارات صعبة، وأبعدتهم من خلالها عن مقاعد الدراسة، في منطقة تشهد أكثر من 70 في المئة من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في سوريا، حسب البيان الصادر عن كامبو فوفانا القائم بأعمال المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بداية كانون الثاني الفائت.
وفي ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها محافظة إدلب بالعموم ومخيماتها بالخصوص، يحاول بعض الأطفال من خلال السرقة والنهب الخروج من طوق الظروف المعيشية الصعبة الذي يضيق يوماً بعد يوم. يعمل أولئك الأطفال في مجموعات صغيرة، تعمل بعيداً عن أعين الأهل ودون توجيه من أحد البالغين، وغالباً ما تكون أهدافهم مرتجلة وتشمل الأغراض المتاحة من لباس وأحذية وسجاد وأغراض من أمام الأبنية أو بضائع في الأسواق، في حين ينتقي بعضهم أهدافهم بعناية.
يشكل تقارب السن وعلاقات الجوار إحدى ركائز مجموعات الأطفال. هذا ما يظهر في مجموعة يعيش أفرادها في مخيمات سرمدا وتضم خالد (12 عاماً) رواد (13 عاماً) إيهاب (13 عاماً)، وكان عمل أحد الأفراد باباً ولج من خلاله إلى عالم السرقة، إذ اكتسب خالد مهارة جيدة في تصليح الدراجات وكيفية تشغيلها وقيادتها حتى بدون استخدام مفاتيحها الأساسية، بعد أن التحق بورشة تصليح دراجات نارية في سرمدا. يقول "أراد والدي أن أكتسب مهنة أواجه بها الحياة وأحصل على مبلغ إسبوعي أساعده به لتأمين بعض النفقات، غير أن ما كنت أحصل عليه (50 ليرة تركية في الأسبوع) لم يكن يكفي لشراء وجبة غداء واحدة لأهلي".
ترك خالد الدراسة بعد نزوحه رفقة أهله عن بلدته في ريف إدلب الجنوبي منذ نحو ثلاث سنوات، وكان التفكير بتحسين أوضاع أسرته عبر طرق أجدى مادياً من العمل أحد الأسباب التي دفعته إلى السرقة، بينما منحته الحرفية العالية التي اكتسبها من خلال مزاولته للعمل أداة لذلك، وبالشراكة مع صديقيه في الجوار تمكن خالد من سرقة عشر دراجات نارية وبيعها وصرف ثمنها، موهماًً أهله أن ما كان يحصل عليه من مال هو "بخشيش" من الزبائن مع أجرته الأسبوعية التي راحت تزداد يوماً بعد يوم، كما كان يخبرهم.
خالد الذي خرج لتوه من السجن بعد اعتقال دام لخمسة أشهر، ويبدي حماسه في عمله بتصليح الدراجات الذي عاد إليه اليوم، كان قد قضى أكثر من ثلاثة أشهر في جنوحه قبل إلقاء القبض عليه مع أصدقائه أثناء محاولتهم سرقة إحدى الدراجات النارية من أحد الأبنية السكنية في سرمدا.
أصدرت محاكم "هيئة تحرير الشام" حكماً بالسجن لستة أشهر على أفراد "العصابة"، لكنها عادت وأطلقت سراحهم بعد أن دفع ذووهم كفالات مالية قدرها 400 دولار أمريكي عن كل طفل. وقد خضع الطفل خالد وأصدقاؤه في السجن لدورات شرعية "تأهيلية"، تشمل مبادئ الدين الإسلامي وأفكار حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ آيات من القرآن الكريم على يد شيوخ كانوا يدرسونهم كل يوم لمدة ساعتين.
أما صديق خالد رواد فقد عمل في جمع النفايات قبل أن يفكر بالانضمام إلى مجموعة السرقة، لذلك ربما لا يبدي أي شعور بالذنب بعد خروجه من السجن، ويدرك جيداً أنه لم يتجه إلى السرقة بملئ إرادته. يقول "أشعر بالظلم حين أرى أنواع الفواكه والخضار ولا أستطيع شراءها، ولا تتمكن أمي الأرملة من تأمينها لنا، نحن في حيرة دائمة من أين يمكن أن نحصل على الخبز" يصمت قليلاً ليتابع "نعم، الخبز فقط".
يعتقد رواد أن المجتمع أناني ولا ينظر إلى حال الفقراء الذين يتركون لظروفهم الصعبة ولا أحد يمد لهم يد العون التي من شأنها أن تحسن أوضاعهم، ويلخص ببساطة "لا أحد يفكر بأحد، لا أحد يحب أحد، الفقير هنا يعيش أو يموت من الجوع دون أن يحس به أحد". ويتساءل "ما الذي يمكن أن يفعله طفل بعمري لمساعدة أهله القابعين في مخيمات تكاد لا تصلح لسكن الدواب، بلا غذاء ولا ماء ولا تدفئة ولا تعليم ولا مساعدات".
المرشدة الاجتماعية ربا حاج حسين في مدينة الدانا، ترى أن عدم احتواء أطفال المخيمات من قبل مؤسسات تعليمية وتوفير مساعدات لهم ولعوائلهم عزز من انتشار تلك العصابات فيها، يضاف إليها ثقافة السلاح والحرب، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
تقول "لم يعد يجول في رأس هؤلاء الأطفال إلا النجاة فقط من أوضاعهم الصعبة وسد رمقهم وتأمين قسم من احتياجاتهم". وتضيف "أن وصول مستويات الفقر إلى مراحل خطرة أفرزت تلك الظاهرة، مع عدم وجود أي اهتمام أو رقابة سواء من الأهل أو المدرسة أو منظمات المجتمع المدني، وهو ما شكل كارثة حقيقية تهدد الأطفال ومستقبلهم".
وتدعو كل طرف من الأطراف المجتمعية إلى أخذ دوره التوعوي والتوجيهي والتعليمي والتربوي لضبط تلك الظاهرة قبل انتشارها واستفحالها لدرجة يصعب معها السيطرة عليها.