علويون في صفوف الثورة

«بشار يسعى للحفاظ على كرسيه، ولا يهمّه العلوية والجيش أو غيرهم»؛ هكذا بدأ أبو علي حديثه وهو يجلس تحت شجرة زيتونٍ بين مجموعةٍ من مقاتلي جبهة النصرة (فتح الشام حالياً). وأخذ يكرّر جملة العقيد عمار زيدان، الضابط الذي كان مسؤولاً عنه في جيش الأسد، التي قالها عندما طُرح اسمه للتبادل: «ما حدّا بدّو ياه»!

عمل النظام على زجّ الطائفة العلوية في معركته لأجل بقاء بشار الأسد في الحكم، فكانت من الخاسرين الكبار في معركة النظام مع الثورة، إذ تشير الأرقام إلى مقتل أكثر من 100 ألف شابٍّ من الطائفة وإعاقة أعدادٍ هائلة. واعترفت وسائل إعلامٍ تابعةٌ للنظام بزيادة عدد حالات الفرار من الخدمة العسكرية أو التخلف عنها بين العلويين. انضم الكثير من أبناء الطائفة إلى المعارضة السياسية، وشارك آخرون في الحراك السلميّ والمظاهرات في بداية الثورة، ولكن ندرةً منهم من شارك في القتال ضد النظام.

ومن الأخيرين عمار حمزة الراشد، الملقب بأبو علي العمري، من قرية منطار في ريف حمص الشرقي. قاتل الراشد في صفوف قوات النظام إلى أن أسرته جبهة النصرة، في تشرين الثاني 2013، وهو في طريقه الى حاجز العبود قرب مدينة مورك بريف حماة الشماليّ. وأثناء أسره عومل معاملةً حسنةً دفعته في ما بعد إلى الانضمام إلى النصرة والقتال ضد النظام، كما روى في لقاءٍ خاصٍّ مع مراسل شبكة المنارة البيضاء.

فبعد تسعة أشهرٍ من أسره أُرسل الراشد إلى منطقة الإيكاردا في حلب لإتمام عملية تبادلٍ كانت تجريها حركة أحرار الشام مع النظام. وهناك اتفق الراشد مع زميله في الصفقة على الهروب قبل أن يتمّ تسليمهما للنظام، وبالفعل لاذا بالفرار. كانت وجهة الراشد حماة بينما اتجه رفيقه نحو إدلب. وصل الراشد إلى مقرٍّ للنصرة بعد أن مشى على قدميه ليلةً كاملة، وانضمّ بشكلٍ رسميٍّ إلى الجبهة. شارك في معارك عدّةٍ في ريف حماة وإدلب وحلب، وأثبت جدارةً في العمليات الانغماسية مما عزز ثقة النصرة به بعد أن كانت ضعيفة، فتم نقله إلى الجبهة التي كان يقاتل فيها قبل أن يؤسر، وتم تسليمه دبابة. شارك في معارك بلدة العيس ونجا عدّة مرّاتٍ من الموت، قبل أن تتلقى دبابته صاروخاً على جبهة الحميرة بريف حلب الجنوبيّ، أدى إلى استشهاده في أيار الماضي.

أما يوسف رزوق (47 عاماً) فهو محامٍ من بلدة عين الكروم الموالية في سهل الغاب، عرف بمناهضته للنظام. شارك رزوق في الحراك السلميّ الذي شهدته البلدات القريبة، فعرفه أبناء مدينة قلعة المضيق جيداً وهو العلويّ المثقف الذي شاركهم مظاهراتهم. وقف يبكي في إحدى مظاهرات بلدة كفرنبودة متأثراً بالشعار الذي كان يردّده المتظاهرون: «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد»، وقال: «ثورة راقية لن يوقفها الجزار. عشت أكثر من 30 عاماً وأنا أنتظر ما أسمعه اليوم من مطالبةٍ بالحرية ومن الثورة ضد ظلم وطغيان آل الاسد». حاول الوقوف في وجه محاولات تجييش أبناء الطائفة العلوية في منطقته ضد الثورة، فقام عناصر من الأمن العسكريّ بحرق مكتبه في مدينة السقيلبية ومنزله في عين الكروم، وفي منتصف 2012 وجد مقتولاً على أطراف بلدته.

أما النقيب حسين فيصل الأحمد، من مدينة القرداحة، فقد كان من ملاك الفرقة الخامسة اللواء 12 دبابات. وقد عرف عنه حسن الخلق ومساعدته الأهالي في العبور على حاجز البقعة في إزرع قبل أن يأسره ثوار درعا. ودفعت معاملته الحسنة وجهاء المنطقة إلى التوسط لإطلاق سراحه في حزيران 2012، وبعدها قرر المشاركة في القتال ضد قوات النظام في الجنوب. شارك في العديد من المعارك خلال أربع سنواتٍ أمضاها بين الثوار، وكانت مساهمته الأكبر في صيانة الدبابات وإعادة تأهيلها. وفي بداية 2015 تم تعيينه قائداً لأركان فرقة العشائر، إحدى فصائل الجيش الحرّ، فعمل على تدريب الفرقة وتنظيم صفوفها. وفي نهاية عام 2015 اختفى بعد أن عرضت قناة الجزيرة تقريراً عن حياته وعمله في الثورة، ورجّح نشطاء وقتها احتمال قيام عصابةٍ بخطفه وتسليمه لقوّات النظام بعد تسليط الضوء عليه إعلامياً. وهو ما يبدو أنه حدث بالفعل، إذ تشير الأنباء إلى وجوده الآن في سجن صيدنايا العسكريّ ويخضع لمحكمة الميدان بتهمة التعاون مع «المسلحين»، التهمة التي اعترف بها بوضوحٍ أثناء التحقيقات كما يؤكد النظام، فيما يحاول ذووه (كان والده حلاقاً في القصر الجمهوريّ) التماس العفو له بحجّة أن «المسلحين ربما أعطوه حبوباً وحقناً مخدّرةً وغسلوا دماغه، حتى أنه يمكن اعتباره فاقداً لوعيه وإدراكه وصوابه حتى الآن»!!!