- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
طلاب مناطق «قسد» يلجؤون إلى النظام لإكمال تعليمهم
أنهى نحو 1500 طالباً من أبناء مدينة الرقة وريفها الغربي، في الرابع والعشرين من أيار الفائت، تقديم امتحان شهادة التعليم الأساسي في ناحية دبسي عفنان بريف الرقة الغربي في المنطقة الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وعادوا أدراجهم لمدينة الرقة وريفها. فيما توجه طلاب عين العرب/كوباني ومنبج إلى مدينة حلب وتوجه طلاب الحسكة والقامشلي وغيرهما من المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" إلى الجزء الخاضع لسيطرة النظام في المدينتين لتقديم الامتحانات.
في مشهد يتكررّ من جديد يحمل الطلاب أغطيتهم وفرشاتهم، يُرافقهم ذووهم، متوجهين إلى المدن الكبيرة لتقديم امتحاناتهم، تماماً كما كان المشهد في تسعينات القرن الفائت. زاد من معاناتهم خلال السنوات الماضية ضعف التعليم وغيابه في مناطقهم نتيجة عمليات السيطرة المتكررة، فكان الاعتماد جلّه على المعاهد الخاصة المنتشرة بكثرة أو ما يُسمّونه بالدورات الخاصة لدى المدرسين، وكذلك عدم امتلاك العديد منهم وثائق شخصية سوى دفاتر عائلاتهم وإخراجات قيد كانت عائقاً كبيراً بحد ذاته.
في مقدمة الحافلة يتبادل الطلاب مخاوفهم، كما يُلخص بعضهم، أحدهم ينبّه زملاءه "احذفوا كل شيء من جولاتكم، ماتعرفون، ممكن يفتشونا.." آخر يقول "نحن جايين نقدم فحص، مالنا علاقة بشيء. تصدقون خايف من قطعة الطريق بين الطرفين أكثر من تقديم الامتحان نفسه" بينما ينشغل آخرون بلملمة حاجياتهم قبيل الوصول للمنطقة الفاصلة بين الطرفين في معبر شعيب الذكر. وفي مؤخرة الحافلة يدور حديث آخر بين والدات الطلاب وجداتهم تقول إحداهن "إن شاء الله رح درّس الولاد زين" ترد أخرى "والله يا أختي رايحين عالتيسير، الوضع اللي نحن بيه لا دراسة ولاتدريس"، ثمّ ينتقل الحديث لأشياء أهم من ذلك، وكالعادة "من وين جيتي، وشلون وضعكم، وإن شاء الله ما راحلك حدا بهالأزمة".
سهّلت قسد عبور حافلات الطلاب المتوجهين لتقديم الامتحانات في مناطق نظام الأسد، ففي ريف الرقة الغربي افتتحت، بالاتفاق مع النظام، معبراً على عجل، من قرية شعيب الذكر غرب مدينة الطبقة، بهدف تسهيل وصول الطلاب لناحية دبسي عفنان، كما سهّلت خروجهم من منبج باتجاه مدينة حلب.
وعملت قوات النظام على إظهار شديد الاهتمام بالطلبة القادمين لناحية دبسي عفنان، بل عملت على جعل الناحية منطقة مركزية لتوافد الطلبة، واستقبلتهم وذويهم في بعض المدارس، وعملت على إصدار بطاقات شخصية للطلاب ممن فقدها سابقاً، ويحاول النظام الاستفادة من جزئية التعليم كونها أحد أهم وسائل الحرب والدعاية السياسية ضمن الدائرة السورية.
في المناطق التي تُعتبر ذات أكثرية كردية كالقامشلي والحسكة فرضت الإدارة الذاتية مناهج خاصة بالشهادة الإعدادية، إلا أن معظم الطلاب رفضوا الالتحاق بها وفضلوا الشهادة الممنوحة من نظام الأسد، حيث تعرّض عدد كبير من الطلاب لكارثة، حسب وصفهم، نتيجة منع الطلاب بداية من التسجيل في المدارس التابعة لنظام الأسد، ومن ثم عدم رفع التربية في الإدارة الذاتية ملفاتهم للتربية التابعة لنظام الأسد إلا قبل ثلاثة أشهر من بدء الامتحانات الحالية.
نسبة كبيرة من الطلاب المداومين إلى المدراس الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" في محافظة الحسكة فشلوا في تقديم امتحانات التعليم الأساسي "التاسع"، ما تسبب ذلك في رسوبهم لهذا العام 2018.
وعلى عكس المتوقع، لم تنجح الإدارة الذاتية، التي تُسيطر على مناطق شمال شرق سوريا بشكل شبه كامل، رغم سنّها مناهج لكافة المراحل، من استقطاب الطلاب، لاعتمادهم منهاجاً خاصاً لتخطي المرحلة الإعدادية والثانوية، لم يحظ باعتراف نظام الأسد أو أي جهة دولية به، إضافة إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهت فرض المنهاج الكردي والذي لم يتلق أي دعم لوجستي ولا وجود مدرسين أكفاء من أجل تدريسه.
حالة التخبط التي يُعانيها القطاع التعليمي في مناطق الإدارة الذاتية أثّر بشكل كبير على الطلاب، ودفع مجلس الرقة المدني بداية تشكيله لعقد اتفاقية مع الإدارة الذاتية، برعاية التحالف الدولي، تنصّ على أن المنهاج المعتمد للتعليم هو المنهاج الصادر عن وزارة التربية السورية ولكافة الأعمار، وهو ما اعتبره أعضاء المجلس ميزة بحد ذاتها، لتلافي خلل التعليم في المنطقة كما هو الحال في مدينة منبج لكن بدرجة أقلّ.
يُمكن القول، إن الإدارة الذاتية والنظام عملا، كلّا َعلى حدة، في تسلّم الملف التعليمي في مناطق شمال شرق سوريا، بل إنهم وظفوا الملف التعليمي توظيفاً سياسياً نتيجة ارتباط ملف التعليم بالمشروع السياسي لكلا الطرفين، ويمكن القول كذلك، إن العلاقة المضطربة بين الطرفين في مناطق سيطرة (قسد) تُنذر باتساع الفجوة التعليمية، حالها حال المناطق الجغرافية السورية الأخرى، وتُنذر كذلك بتعاظم مستطرد لانهيار وتآكل متنامي للعملية التربوية والتعليمية.