شهادة عن مفاوضات درعا مع الروس .. دول ومخابرات للمعارضة: ربما لديهم شيء يقدمونه

نازحون من درعا - عدسة علاء الفقير - خاص عين المدينة

في اليوم الأول من شهر تموز الجاري، دخلت شخصيات مدنية وعسكرية من درعا في مفاوضات مع ممثلي القوات الروسية ، وبعد عشرة أيام من الحملة العسكرية في الريف الشرقي من المحافظة، حيث كان التفاوض الأكثر تنظيماً وندية، حاولت روسيا خلاله الظهور إلى العلن بمظهر الراعي لتسوية بين (القوات السورية والجماعات السورية المعارضة) لكن شهادة المحامي عدنان المسالمة المنسق العام لفريق الأزمة، الذي حضر الجولات كمفاوض ثم كمستشار قانوني، تكشف دور روسيا كطرف أساسي ووحيد في كامل ملف الجنوب الميداني، الذي وقعته البراميل والصواريخ والقذائف، ولكن كذلك تستقرىء عجزها في الجانب السياسي الاستراتيجي.

تسببت العملية العسكرية المشتركة التي أطلقتها قوات النظام مسنودة بغطاء جوي روسي مكثّف، بدءاً من 19 حزيران، وتركزت في الريف الشرقي من درعا؛ بموجات نزوح متلاحقة وصلت إلى 320 ألفاً من السكان إلى حدود الأردن والجولان، أُعلن بعدها عن وقف إطلاق نار لدفع الثوار والمعارضين والفصائل لدخول مفاوضات مع روسيا، بدأت بلقاء أولي في 30 حزيران، بشروط روسية تتضمن (تسليم كامل الأرض، والسلاح، والمطلوبين)، وجمع اللقاء بين فريق الأزمة والوفد الروسي في خربة غزالة.

ورغم أن البعض لمح إلى أن قادة في المعارضة الجنوبية على علم مسبق بالهجوم العسكري، وذلك عبر تسريبات أو رسائل أمريكية وصلتهم تفيد بأن اتفاق أستانة (يتضمن تغيير خرائط)، لكن المفاوضات الجدية بدأت في الأول من تموز. فاستدعت الأردن القياديين، سامر حبوش ومحمد الخطيب وصابر سفر وبشار الزعبي، للتوجه إلى بلدة بصرى الشام، والتفاوض للبت بمصير الريف الشرقي ومدينة درعا. ثم وُسّع فريق التفاوض بعد تشكيل غرفة عمليات الجنوب ما أطلق عليه (لجنة التفاوض) وشملت عسكريين (يعبّرون عن معظم الفصائل)، بالإضافة إلى مدنيين بصفة مستشارين؛ ليدخل في جولات متوترة في الأول والثاني والثالث والرابع، والسادس من تموز ختامها، حين سيطرت قوات النظام دون معارك على معبر نصيب الحدودي، ونشرت الصحف والمواقع بنود عمومية تنص على (تسليم شكلي للسلاح الثقيل وعودة مؤسسات الدولة بموظفيها من أبناء المنطقة وإجلاء المقاتلين الرافضين للتسوية إلى إدلب).

تخلل أسبوع التفاوض عقد مصالحات منفردة كان أشهرها لقائد (قوات شباب السنة) في بلدة بصرى الشام، وحيث توسط العودة لآخرين في عقد مفاوضات منفردة، تناولها بيان صادر عن مركز المصالحة الروسي في حميميم عن (عودة قرى وبلدات إلى سلطة الحكومة السورية). كما صدر بيان ودعوة (النفير العام) عن (فريق الأزمة)، بعد حديث عن انسحاب الوفد (أو استبعاده؟) بسبب (محاولة شخصيات الحصول على مكاسب مناطقية وشخصية)، كما صرح أعضاء منه للإعلام.

كذلك زار وزير الخارجية الأردني في الرابع من تموز نظيره الروسي، أشاد الأخير في نهاية الزيارة (بدور 

الأردن في تنشيط الاتصالات مع المعارضة، والجهود التي بذلها لتحقيق المصالحة بين القوات السورية والجماعات السورية المعارضة المتمركزة على الحدود مع الأردن)، في إشارة إلى قيام روسيا بدور الوسيط وليس الطرف -تنفي ذلك مجريات التفاوض المسربة وقصف الطائرات- ثم الضغوط التي مارستها الأردن على الثوار والمعارضة لاستكمال المفاوضات مع روسيا، بعد وعود قدمتها الأردن باستجابة الجانب الروسي لبعض مطالب المفاوضين، الأمر الذي أشارت إليه شهادة السيد عدنان المسالمة المنسق العام لفريق الأزمة كما أدلى بها في حديث لعين المدينة.

تشكيل فريق الأزمة:

قبل شهر من عملية التفاوض، أطلقت هيئات وفعاليات مدنية مبادرة لتشكيل فريق يمثل حوران خلال أي فعالية أو إجراء تفاوضي يحصل في المستقبل، وذلك عقب وصول تهديدات بشكل متواتر من قبل النظام والروس باجتياح الجنوب. وبعد جهود كبيرة من هيئة الإصلاح ومجلس حوران الثوري وتجمع الحراك الثوري ورابطة أهل حوران وهيئة الإشراف والمتابعة وغيرها من الفعاليات… أُقرّ تشكيل (فريق أزمة حوران) بعد صياغة (وثيقة الشرف الثوري).

وتم الاتفاق على معايير لاختيار أعضاء الفريق، كأن تكون الشخصيات من "التكنوقراط" حقوقيين وسياسيين ودبلوماسيين وإداريين، ليواجه هذا الفريق أي أزمة طارئة. عُرض ميثاق الشرف وأسماء الفريق على الفعاليات والهيئات الثورية والمدنية، ووقعت على تفويض للفريق ليكون ممثلاً لها في أي مفاوضات مستقبلية.

 بدء المفاوضات:

عندما بدأت الأحداث، وبدأ الطيران الروسي يقصف المناطق المحررة، وقوات النظام تهاجم حوران من كل مكان، تواصلنا مع بعض الجهات الدولية، والشخصيات الفاعلة في الثورة، وأخرى دبلوماسية وسياسية، وطُرح خلال تلك الفترة ضرورة عقد لقاء تفاوضي. ضغط الروس لبدء عملية تفاوض لإيجاد حل في الجنوب، فاستجاب فريق الأزمة فوراً لذلك، إلا أن (الطرح الدولي) تضمّن وجود عسكريين ومدنيين خلال عملية التفاوض، وعرفنا أثناء التفاوض أنهم أصروا على العسكريين ليعرفوا حجم السلاح الموجود في المنطقة وعدد المسلحين.

اجتمعنا كفريق أزمة مع كافة الفصائل العسكرية والثورية، وطلبنا منها تفويض عدد من العسكريين ليكونوا ممثلين عنها خلال المفاوضات، بدل أن يذهب كل فصيل بمفرده، فوقع الاختيار على أربعة أشخاص، اجتمعوا مع ممثل وزارة الدفاع الروسية في العاصمة عمان، ليطلب منهم الجانب الأردني، وبالتنسيق مع المخابرات الروسية، التفاوض على الأراضي السورية والاجتماع مع الفريق المدني الذي كان في الداخل.

اجتمع الفريق المدني والعسكري لأول مرة مع الروس في بصرى الشام، ولاحظنا الإصرار الكبير من قبل الجنرال ألكسندر، الذي عرف عن نفسه بممثل الرئيس الروسي، خلال الاجتماع "علينا الجلوس مع جميع الفصائل والقادة الميدانيين لنتمكن من معرفة من سيكون قادراً على تسليم السلاح، ومعرفة العناصر والمسلحين"، ما يعني أن معظم عملية التفاوض ستكون مع الفريق العسكري وباقي البنود سيتم العمل عليها لاحقاً مع الفريق المدني.

الجولة الثانية:

في الجولة الثانية من المفاوضات تم توسيع الوفد ليشمل أكبر عدد من القادة الميدانيين والعسكريين، وحضر الفريق المدني. كنت منسق عام للفريق، ومعي وزير الإدارة المحلية محمد المذيب والأستاذ محمد الهويدي.

توجهنا للاجتماع مع الروس في بصرى الشام، وأثناء الطريق لاحقتنا الطائرات من معبر النصيب حتى وصلنا، وقصفت بجانبنا وأمامنا، بينما طائرة استطلاع تطير فوقنا. أجلوا الاجتماع إلى الساعة 12، كان مقرراً في 11، وحتى الساعة 12 والنصف لم يأتوا، ثم وصلتنا معلومات عن محاولة قوات النظام تطويق مكان اجتماعنا في بصرى الشام ، وقد سيطرت على أربع مناطق في محيط البلدة من خلال حرب استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة، من الطيران والدبابات والمدفعية والصواريخ، فقطعت طريقين رئيسيين يصلان إلى بصرى، وبقي طريق زراعي واحد فقط خرجنا منه، لنعلن بعدها كفريق مدني انسحابنا من المفاوضات، ببيان رسمي وُزع على كافة الوكالات العالمية والعربية، يوضح رفضنا للتفاوض احتجاجاً على التعنت الروسي، واستهداف الفريق، سيما أن الروس تضع شروط ويريدوننا أن ننفذها دون نقاش.

اعتذر الفريق المدني عن الجولات اللاحقة لأننا لم نقبل الطريقة المذلة في التفاوض، فروسيا أرادت بوضوح فرض شروطها، وأصرت على أن يقدم القادة جداول كاملة بأسماء كل عناصر الجيش الحر ومن حمل السلاح بذريعة التسوية، كما أصرت على دخول قوات النظام والأمن لكل البلدات، بما في ذلك معبر نصيب ودرعا المدينة دون استثناء، هذا الأمر لم يناسبنا نحن "التكنوقراط"، ولكن من الممكن أنه فُرض على الفريق العسكري فاضطر للقبول.

الغضب الروسي والانتقام من الأهالي:

استمر التفاوض مع الفريق العسكري فقط، لكني حضرت معهم كمستشار قانوني، وقررنا خلال الجولة الرابعة عدم تسليم أي سلاح لروسيا، لأننا لا نملك ضامن دولي أو إقليمي، ونحن لا نثق بالروس، الأمر الذي أزعج ألكسندر، وقبل خروجه من قلعة بصرى (مكان التفاوض) أعطى الأوامر بقصف مدن وبلدات المحافظة [خاصة صيدا ودرعا البلد] ما أسفر عن دمار مدينتين وتهجير المدنيين.

تدخلت بعض الدول، وبينها الأردن وربما بعض الجهات المخابراتية في المنطقة، وأقنعت بعض القادة بالجلوس للمرة الأخيرة على طاولة المفاوضات مع الروس، فلربما لديهم شيء يقدمونه، وهنا لم يقبل الأمريكيون التدخل بشكل صريح من خلال رسالة وصلت من السفارة الأمريكية في عمان، وكذلك الجهات الأردنية التي قالت إن "الأمر يتعلق بروسيا ولن نتدخل بما تفعله". عملياً حوصرنا وبقينا وحدنا أمام الروس.

وافق العسكريون على تسليم جزء من السلاح، ولو بشكل رمزي، وبالفعل سُلمت قطعتان معطوبتان من السلاح الثقيل للروس، ليتم إعلام الناس بعقد اتفاق بين الطرفين، وأُقر وقف إطلاق النار. كما عمل الروس، لإبداء حسن النية، على الانسحاب مع النظام من المدن والبلدات التي سيطر عليها خلال العملية العسكرية الأخيرة، [المسيفرة، الجيزة، كحيل، السهو] وعلى بعض الأمور التي تتعلق بغير الراغبين بعقد تسويات؛ إذ طُلب من الجميع بداية تسوية أوضاعهم دون حصول أي تهجير، إلا أن البعض رفضوا عقد تسوية، وأظهروا رغبتهم بعدم البقاء في منطقة يرجَّح دخول النظام إليها لاحقاً، على رغم أن الاتفاق عقد على أساس عدم دخول الأخير إلى المناطق المحررة، وإدارتها من قبل الفعاليات المدنية، مع تمركز الشرطة الروسية على المعابر؛ وفي المقابل قبلنا دخول مؤسسات الدولة لتوفير خدمات المياه والكهرباء والهاتف وإصلاح الطرقات وغيرها.

روسيا كان همها الانتشار على الحدود، وتسلم السلاح أمام الإعلام، ولو بشكل رمزي. هذا ما عملت عليه، حسب ما رأيت.