سوريون يعملون بـ"الفاعل" في الأراضي التركية بأجورٍ زهيدة.. والشاويش وسيطهم

سوريون في حقول هاتاي | من موقع sanliurfahaber.com

لم تتأخر أم سامر يوماً، هي وبناتها الثلاث، عن موعد قدوم الشاحنة التي تقلهنّ يومياً، هنّ ونساء أخريات، للعمل بـما يسمى"الفاعل"، أي كفلاحين دون خبرةٍ، في أراضٍ تركيةٍ متاخمةٍ لأراضي بلادهم الممتدّة على الجهة الأخرى من الحدود.
كانت أغنيتهنّ اليوم على طريق الحقول "مدلل والله مدلل". 20 امرأةً يُحشرن كلّ يومٍ في خلفية الشاحنة وهنّ واقفاتٌ وبأيديهنّ "الزوّادة" وأدوات العمل. وأوّل ما يتراءى لك، والشاحنة قادمةٌ من بعيدٍ، كتلةٌ من الألوان المختلطة ووجوهٌ مغطاةٌ لا يظهر منها إلا العيون والأنف.
أم سامر، التي التقيناها بعد عودتها من العمل، كانت ترتدي قطعاً ملونةً غير متناسقةٍ أسمتها "ثياب العري". بدت آثار الشمس واضحةً على وجهها، لكنها كانت بمزاجٍ جيدٍ على الرغم من عملها المجهد في شهر رمضان والحرّ الشديد. حدثتنا عن صعوبة قطاف القطن، وعن وجوب النزاهة؛ فالـ"شاويش يحاسبنا على الكيلو"، ونستطيع اقتلاع الشتلة من جذرها لزيادة وزن منتوجنا، لكنه قد يكشفنا. وهذا أمرٌ لا أستطيع القيام به".
الشاويش، كما تقول أم سامر، موظفٌ لدى مالك الأراضي، وهو الذي يجمع له العمال. وفي وضع سورية الحالي أغلب الفلاحين الذي يعملون في الأراضي التركية سوريون، أما من أمّن لها العمل فهو مختار القرية".

المختار يحبّنا

شباب سوريون يعملون بجني القطن في تركيا | من موقع النيويورك تايمز

شباب سوريون يعملون بجني القطن في تركيا | من موقع النيويورك تايمز

وصلت أم سامر إلى قرية كريخان التابعة لإقليم أنطاكية في تركيا قبل عامٍ ونصف، بعد أن قصف النظام جسر الشغور. خرجت من منزلها، هي وزوجها وخمسة أولادٍ، بـ"ثيابهم" فقط، دون أيّ شيءٍ آخر. كانت في سورية ربة منزل، أما زوجها فكان سائق "تكسي". تبيّن: "أهلي كانوا فلاحين، لكنني لم أعمــــــل في الأرض أبداً. وهنا اضطررت إلى ذلك، لأنه لا يوجد عملٌ لنا".
بعد شهرٍ من وصــــول أم سامر وعائلتها إلى تركيا ساءت أحوالهم جداً، فقد كانوا يعتمدون على إعانات الجيران الأتراك، إلى أن طلب المختار من الشاويش ان يأخذهم للعمل في الأرض مقابل 20 ليرةٍ تركيةٍ في اليوم.
تقول أم سامر مبتسمة: "المختار يحب السوريين لأن أنسباءه منهم، كما تعود أصوله إلى مدينة حمص. وهو شخص طيب".
أغلب أهالي ما يـــــسمى بإقليم "هاتاي" في تركيا، ولواء إسكندرون في سورية، يتكلمون اللغة العربية، لأن الإقليم كان جزءاً من سورية قبل 74 عاماً. والعديد من العائلات المقيمة في الإقليم تربطهم روابط قرابةٍ مع عائلاتٍ سوريةٍ مقيمةٍ على الحدود.

اللغة العربية ساعدتنا

تقول أم سامر إن تكلم الأتراك، في القرية التي تقيم فيها، اللغة العربية ساعدهم كسوريين على التأقلم بسرعةٍ أكبر والاندماج في المجتمع هناك. لكن، بالرغم من ذلك، توجد العديد من الحدود المرسومة بينهم.
أغلب الرجال السوريين الذين لجأوا إلى ريف "هاتاي"، مع أبنائهم وزوجاتهم، يعملون بشكلٍ مياومٍ في البناء أو الأراضي. وبحسب محمد، وهو ابن شاويشٍ يعمل في قرية التونوز بريف أنطاكية، فإنهم نافسوا العمال الأتراك على أجورهم. فبعد أن كان عامل البناء التركيّ يتقاضى 35 ليرةً تركيةً في اليوم أصبح الآن يأخذ 15 ليرةً، بسبب رخص اليد العاملة السورية.
ويبين محمد أن موسم المحصول الحاليّ هو القطن والبندورة، مشيراً إلى أن هناك عائلاتٍ سوريةً مؤلفةً من 10 أشخاصٍ يعمل 7 منهم في الزراعة، وهذا ما يؤمّن دخلاً مقبولاً لهم.

لسنا جميعا فلاحين

تقول أم سعيد، وهي تعمل أيضاً في قطاف القطن حالياً، إنها كانت تعمل في سورية كممرضة، لكن في تركيا لا توجد شواغر للسوريين، وفي حال وجودها فهي قليلةٌ وتحتاج إلى إتقان اللغة التركية، والأولوية للمواطنين الأتراك.
هذه ليست حال أم سعيد فقط، بل رنا أيضاً، التي تركت سورية وهي في عامها الجامعيّ الثالث، وهي تعمل في الأرض حالياً لتأمين إيجار البيت الذي تسكنه مع إخوتها، وطعامٍ بسيطٍ يكفيهم الشهر، على حدّ قولها.

أجور المنازل مرتفعة

مثلما أثّر العراقيون سابقاً في سورية، رفع السوريون إيجارات المنازل في المدن التركية الحدودية مع سورية. لكن، على حدّ قول أبو مازن، يستغلّ بعض الأتراك حاجة السوريين أيضاً، مشيراً إلى أن إيجار منزله غير المكسيّ، والذي يشبه "الحظيرة"، يبلغ 300 ليرةٍ تركية، فيما كان إيجاره لا يتجاوز 100 ليرةٍ قبل قدوم السوريين.
يبيّن أبو مازن أن عملهم بـ"الفاعل"، أي كفلاحين بدائيين في الأرض، لا يكفي أجرة المنزل والكهرباء والماء والطعام، ما دفعه إلى أن يطلب من زوجته العمل في الأرض، بعد أن كانت ربة منزلٍ منذ أن تزوجها. لكنه أشار إلى وجود العديد من العائلات التركية التي ساعدت السوريين، إذ قدّمت لهم البيوت بأجورٍ زهيدةٍ ريثما يحصلون على عمل، ومنهم من ساعد بفرش المنزل ولو كان بسيطاً.

الحنين يجمعنا

يبلغ عددهنّ 20 امرأةً، يجلسن في مجموعاتٍ خلال فترة الغداء تحت ظلال منزلٍ أو شجرةٍ قريبة، يتحدثن عن ذكرياتهنّ في البلاد أو عن منازلهنّ التي تهدّم معظمها، وبعضها الآخر لا يعلمن ما حلّ به. يناقشن أسعار المواد الغذائية وصعوبة الحصول عليها، أو يقدّمن العزاء لمن رحل عزيزٌ لها في سورية.
تقول شيرين (21 عاماً): أكثر ما يعيننا على الحياة هنا أحاديثنا عن البلاد خلال استراحاتنا. أحياناً أفكر أنه لا يفصلني عنها سوى خط حدودٍ دقيق. ليتني أستطيع العودة. ولو تهدّم منزلي سأنصب خيمةً مكانه، لا مشكلة لديّ. أما رحاب (30 عاماً) فتقول: ما يصبّرنا على العمل معاملة الشاويش الجيدة لنا. هناك آخرون معاملتهم سيئة جداً، وقد يأكلون عليك أجرك، أما هو فيمازحنا باستمرار. لكنني طلبت منه أمس إذناً بالذهاب إلى المنزل بسبب تعبي الشديد فقال لي أن أكمل عملي حتى نهاية اليوم.

حفنة تراب

قرّرت رحاب زيارة سورية خلال فترة العيد لمدة 10 أيام، فهي لم تعد تحتمل غيابها عن قريتها في ريف جسر الشغور بإدلب أكثر من ذلك. تصف الوضع في قريتها بغير الآمن، لكن والدها ووالدتها ما زالا يقطنان هناك. وعند سؤالها لماذا لم يأتيا إلى تركيا قالت إن أباها أصيب بتسرّع القلب بسبب خروجه من القرية مرةً، وأنه أخبرها عندما هاتفها مؤخراً أنه كالسمك لا يستطيع العيش بدون ماء.
تقول رحاب إن صديقتها الحموية، التي لا تستطيع زيارة سورية، أوصتها بأن تجلب لها حفنة ترابٍ لتحتفظ بها داخل كوبٍ وتزرع فيها "ريحانة". ثم تختتم بالقول إنها وعدت الشاويش بأنها ستعمل مدة 4 أيامٍ مجاناً إذا رحل بشار واستطاعت العودة إلى البلاد.

[highlight]إجراءاتٌ جديدةٌ لتنظيم شؤون اللاجئين السوريين
تعمل السلطات التركية على تأسيس إدارةٍ مدنيةٍ تابعةٍ لوزارة الداخلية لتولي شؤون الأجانب، تحت مسمّى "المديرية العامة لإدارة الهجرة" بدلاً من "إدارة شؤون الأجانب"، تعنى بتنظيم منح التأشيرات وتصاريح الإقامة وأذون العمل للاجئين وفق المعايير الدولية.
ويبلغ عدد السوريين الذين يعيشون في المدن التركية 900 ألفاً، حسب إحصائيات رئاسة الوزراء التركية، في حين يعيش حوالي 219 ألفاً آخرين في المخيمات، ليصل المجموع إلى 1.1 مليون سوريّ.
ويحمل المقيمون خارج المخيمات بطاقةً لا تمنحهم حق العمل. ولكن الحكومة التركية تعمل على إصدار قانونٍ جديدٍ سيحدّد أصول وأساس عمل هؤلاء الأشخاص، ويفتح لهم الباب من أجل الحصول على إذن عمل، بحسب صفحة "الفيسبوك" لموقع "ترك برس" الإخباري.
وسيتمّ، وفق القانون الجديد، التعديل على قوانين الدفعات المستحقة لمؤسسة الضمان الاجتماعيّ، لتشجيع تشغيل السوريين، بحيث يدفع أرباب العمل 2% فقط من الأجر لمؤسسة الضمان، بما يشمل الضمان الصحيّ في حالات المرض والحوادث (في الأحوال العادية يدفع رب العمل 32.5% للضمان الاجتماعيّ)، ما يمكّن السوريين من العمل في المناطق التي يقيمون فيها دون الحاجة إلى مغادرتها إلى المدن الكبيرة.
وكانت وزارة الداخلية التركية قد أصدرت، عام 2012، قراراً بمنح السوريين إذن إقامةٍ كل 5 أشهرٍ في البداية، ثم أصبح كل سنة، يؤهلهم للحصول على إذن عمل. لكن هذا الإذن لا يُمنح لمن هم في وضع "الحماية المؤقتة"، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على إذن عمل، فلذلك هم بحاجةٍ إلى إصدار قانونٍ خاصٍّ بوضعهم.[/highlight]