سجين داعش الذي أنقذ حياته أميرٌ منها

"لما كنت مسجون عند داعش بالشدّادي، انفتح الباب مرّة قبل المغرب بشوي، وناداني العنصر: الأمير يريدك".

تشبه الأوصاف التي رواها الرجل، الذي يحيط بمعصمه وشمٌ غير شائعٍ، عن سجن داعش الأجواءَ المعروفة عن سجون الأسد، في مقارنةٍ شائعةٍ بين الكيانين الوحشيين. يقول صاحب الوشم المعصميّ إن خصومةً قديمةً مع ابن عمٍّ له كانت السبب في المأزق الصعب الذي وقع فيه، "لولا رحمة الله". أخفى ابن العمّ ذاك رغبته في الانتقام سنين طويلةً، لم تخفّف منها أرباح شراكة تجارة السلاح قبل سيطرة داعش. إلى أن "طوّل ابن عمي لحيته وقصّر جلابيته وصار يحكي لي عن ولاء وبراء". و"بعدين غاب ثلاث شهور بالرقة ورجع لما حكمت داعش الدير". "رحت أسلم عليه، بهدلني عالتدخين وطلعت من عنده زعلان وخايف"، يستطرد الرجل في الحديث عن قلقه خلال الأيام القليلة التي فصلت بين زيارته تلك واعتقاله من قبل داعش. إذ قال له "خاطر الرحمن" أن يطمر كلّ ما في حوزته من ذخيرةٍ وسلاحٍ تحت أرضٍ آمنةٍ، قبل أن تداهم منزله، في القرية على نهر الخابور، ثلاث سياراتٍ محمّلةُ بالمقنّعين الذين أدخلوا رأسه في كيسٍ ونقلوه خلال ساعةٍ أو ساعتين إلى مكانٍ احتار في تحديده بين حقل العمر النفطيّ وحقل الجبسة في مدينة الشدّادي بريف الحسكة الجنوبيّ. قبل أن يُنقل خطأً –كما علم بعد ذلك- إلى بناءٍ صغيرٍ "يشبه بناء الوحدات الإرشادية تبع الزراعة"، ليخبره سجّان مراهقٌ أنه في الشدّادي. يقول الرجل إنه أحسّ برعبٍ شديدٍ، لأوّل مرّةٍ في حياته، عندما فُتح باب الزنزانة وألقى مقاتلٌ من داعش برأسٍ مقطوعٍ "لمرتدٍّ". إلا أن المراهق طمأنهم أن لا يخافوا، فهذا مجرّد رأس مقاتلٍ من الجيش الحرّ رفع السلاح مقاتلاً "الدولة الإسلامية"! وذات ليلةٍ، قبل صلاة الصبح الإجبارية على المعتقلين، عندما سمح له السجّان بالوضوء قبل الوقت المعتاد؛ حدس الرجل أن هذا المراهق يدخّن بالسرّ، مما شجّعه على سؤاله عن إمكانية شراء التبغ، ليجيب السجان بغضبٍ أن هذا ممنوعٌ، قبل أن يتراجع ويعرض السيجارة مقابل مئة ليرة، وهذا ما حدث تلك الليلة إذ سمح للمعتقل أن يدخّن في المرحاض. وهو أمرٌ تكرّر لاحقاً مرّاتٍ عدّةً، خُفّض فيها سعر السيجارة مرّةً وراء مرّة، إلى نفدت النقود وصارت السيجارة بالمجّان.
لم توجّه للمعتقل تهمةٌ أو يخضع لأيّ تحقيقٍ، وهي حالةٌ تتكرّر كثيراً في سجون داعش. وبعد ستة أشهر تقريباً من الاعتقال استدعاه أمير السجن وسأله إن كان "قرباطياً" بالفعل، دون أن يسمح له بالردّ. ثم طلب منه أن يقرأ الفاتحة ويذكر عدد ركعات صلاة المغرب. وأخيراً سأله عن تاريخ الوشم على معصمه، دون أن يسمع الإجابة أيضاً. بعد لقائه بأمير السجن علم المعتقل أن سوء تفاهمٍ ما قد وقع، أدّى إلى نقله من سجنٍ إلى آخر. خلال الأيام اللاحقة اعتاد السجّان المراهق على مخاطبته بـ"القرباطي"، دون أن يخفّف التصحيح الدائم من ذلك الاعتياد. "لكن المعاملة تحسّنت شوي"، في الأكل وفي عدد المرّات المسموحة فوق الصلوات الخمس لتجديد الوضوء. إلى أن جاء ذلك اليوم، وفُتح الباب ليطلبه مسؤولٌ ما من داعش، بدا أميراً أعلى من أمير السجن. "كان قاعد قدّام البناء. مشعليله نار وقدامه شول. قال لي اقعد، قعدت. صبّ لي كاسة شاي وقال أنا عرفتك وأنت ما عرفتني وما أريدك تعرفني. اسمع؛ الأخوة مخربطين وأنا سكتت. لكن اليوم أمني عراقي سائل عنك. راحو دوّرو عليك بسجنك الأول بالحقل ما لقوك. وبكرى عالأغلب راح يجون ياخذونك. والأخوة بالسجن هذا محسّبينك قرباطي على هالوشم بإيدك. هسّع راح أفوت جوّى دقيقتين وأرجع ما أريد أشوفك.. انهزم. اكمش هالبرية لحتى توصل الطريق العام، لا تمشي عليه وشرّق".
طبّق معتقل داعش السابق نصيحة الأمير المتعاطف حرفياً، دون أن يعرفه حتى اليوم. ليقطع أكثر من عشرين كيلومتراً مشياً على الأقدام، قبل أن يشفق عليه سائق دراجةٍ ناريةٍ وينقله إلى قريةٍ قرب بلدة مركدة. ومنها تدبّر السجين السابق أمر وصوله إلى حلب فإدلب حيث يقيم اليوم، متربّصاً العودة للانتقام من ابن عمه. وحيث سمع أخباراً غير سارّةٍ من قريته على نهر الخابور حول قتلى من أقاربه انضموا لداعش وقضوا في معاركها الكثيرة، وأقارب آخرين قتلتهم داعش بتهمٍ مختلفة.