ريف حلب الشماليّ... أكبر موجة نزوحٍ منذ انطلاق الثورة

يعاني نازحو ريف حلب الشماليّ من ظروفٍ صعبةٍ في المخيّمات المؤقتة التي أُحدثت لهم قرب الحدود السورية التركية قبل حوالي شهر، بعدما شهدت مناطقهم أكبر موجة نزوحٍ منذ انطلاق الثورة السورية، على خلفية استهداف الطيران الروسيّ المنطقة بمئات الغارات الجوية التي تزامنت مع تحرّكات قوّات الأسد وفصيل "جيش الثوار" التابع لـ"قوّات سوريا الديمقراطية".

وبلغت أعداد النازحين قرب الحدود نحو 125 ألفاً، حسب إحصاءٍ أجراه المكتب الإغاثيّ في معبر "باب السلامة"، منهم حوالي 25 ألف نازحٍ يقيمون في مخيّم مُؤقتٍ أحدثته هيئة الإغاثة التركية IHH داخل المعبر الحدوديّ، في حين يعيش 100 ألفٍ آخرون في مساكن مؤقتةٍ وخيمٍ في البلدات والقرى القريبة من المعبر وسط غياب المرافق العامة والخدمية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى النزوح العكسيّ مرّةً أخرى.

"جيش الثوار" يصادر الممتلكات
حاولت بعض العائلات العودة إلى قراها التي سيطر عليها فصيل "جيش الثوار"، لتفاجأ بأن القرى أصبحت خاويةً على عروشها، بعد أن قامت الميليشيات الكردية التي دخلت مع "جيش الثوار" بنقل معظم الممتلكات العامة والخاصّة إلى البلدات الكردية.

وقال أحد سكان بلدة منّغ، فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريحٍ لـ"عين المدينة": "لم نحتمل العيش في المخيّمات فقرّرنا أن نعود إلى منازلنا التي اضطررنا إلى تركها نتيجة القصف الروسيّ العنيف، خاصّةً بعد أن أصدر جيش الثوار بياناً أكد فيه أنه سيسمح لنا بالعودة إلى قرانا. ولكن عندما حاولنا الوصول إليها منعونا بحجّة أن المنطقة لا تزال عسكريةً وغير آمنة، حسب ما قال عناصر الحاجز في مدخل البلدة".

وأضاف: "حاولنا إقناع عناصر الحاجز أننا نريد فقط أخذ بعض ملابس الأطفال من المنزل، وحينها سمحوا لنا بالدخول بعد أن أخذوا بطاقاتنا الشخصية، وأكدوا أنه يجب علينا العودة بعد نصف ساعةٍ لاستلامها. عندما وصلنا إلى منزلنا لم نجد فيه سوى بعض الأثاث الخشبيّ، ولم نجد أيّ قطعةٍ كهربائية. جمعنا بعض الملابس والأغطية وعدنا إلى الحاجز لنستلم بطاقاتنا. ومن هناك اتجهنا إلى مدينة عفرين ومنها إلى مدينة حلب، حيث قدّم لنا أهل الخير منزلاً مفروشاً يأوينا".

بين جشع المهرّبين وقبضة الجندرما
ومن جانبٍ آخر حاول مئات النازحين عبور الحدود بطرقٍ غير شرعية، وذلك بسبب إغلاق السلطات التركية كافة المعابر البرّية منذ أكثر من عام، إلا أن التشديد الكبير الذي يفرضه الأتراك حال دون نجاحهم.

وقال المكتب الإعلاميّ في معبر "باب الهوى" بريف إدلب، في تصريحٍ خاصٍّ لـ"عين المدينة"، إن السلطات التركية تعيد يومياً عشرات العائلات التي تدخل إلى تركيا بطرقٍ غير شرعيةٍ إلى سوريا، بعد أن تحتجزهم لساعات". الأمر الذي أكّده الصحفيّ وائل عادل، مراسل قناة "الغد العربي" في حلب، الذي نجح في العبور إلى تركيا بعد 27 محاولة دخولٍ فاشلة، في تصريحٍ لـ"عين المدينة": "اضطررت إلى النزوح مع أسرتي من مدينة حريتان نحو إحدى قرى ريف إدلب الحدودية، نتيجة القصف الروسيّ العنيف الذي تعرّضت له معظم مدن وبلدات ريف حلب الشماليّ منتصف الشهر الماضي. وخلال فترة وجودي قرب الحدود السورية التركية قابلت عشرات العائلات التي تحاول الدخول إلى تركيا مثلي، إلا أن التشديد الكبير الذي تفرضه تركيا حال دون ذلك".

واعتبر عادل أن الأمر الأصعب بالنسبة إليه من قرار الخروج إلى تركيا هو العبور عن طريق المهرّبين: "كلّ يومٍ كنا نشاهد عشرات السوريين يعودون مضرّجين بدمائهم نتيجة تعرّضهم للضرب من عناصر الجندرما التركية. كلّ ذلك بسبب جشع المهرّبين وخداعهم للراغبين في العبور، وسط غياب الرقابة والرادع من الفصائل التي تسيطر في المنطقة".

نازحو الدير حاضرون
بين النازحين على الحدود التركية عشرات العائلات الديرية التي نجحت في الهروب من مناطق سيطرة داعش إلى ريفي حلب وإدلب. ويروي أحدهم لـ"عين المدينة": "قبل حوالي عشرين يوماً خرجت مع زوجتي وأختي وأطفالي الأربعة من مدينة دير الزور قاصداً ريف إدلب للدخول إلى تركيا. وبعد رحلةٍ طويلةٍ ومتعبةٍ وصلنا إلى الحدود ونجحنا، بعد أربع محاولاتٍ، في الوصول إلى مدينة أنطاكيا. إلا أن الجندرما التركيا قبضت علينا وأعادتنا إلى سوريا".

وأضاف: "مجموع المبالغ التي دفعتها للمهرّبين من الدير إلى ريف إدلب، ومنها إلى تركيا، أكثر من أربعة آلاف دولار. ورغم ذلك لم أتمكّن من الوصول بأسرتي إلى مكانٍ آمن".