رحلة البحث عن الشريك وخطوبات لم تكتمل

Michelle D’Oyley

بعد مضي عام على وصوله إلى تركيا، استطاع أحمد (24 عاماً) تأمين عمل براتب ثابت، وتجهيز منزل وفرشه بجميع لوازمه، وبذلك أزاح العقبة التي كان يراها الأولى أمام مشروعه التالي، وهو الزواج.

"المشروع" تكفلت والداته -المقيمة في ريف دمشق- بجزئه الأهم، وهو إيجاد العروس المناسبة. ولكن بعد بحثها لشهرين متتالين، لم تفلح أم أحمد التي كانت مصرة وتطالب ابنها بالانتظار ريثما تستطيع  إقناع عروس بالسفر لتركيا- في أن تجعل الحظ يحالفها؛ فخطر الرحلة وحرمان العروس من رؤية أهلها بجانبها في أسعد أيام حياتها، كانت عوائق تمنع الأهل من الموافقة.

"والله لجوزك بإديي أحلا عروس، بس استنى علي" تردد أم أحمد في كل اتصال هاتفي بولدها، الذي بات غير مقتنع بهذه "الطريقة"، بعد أن عاين عن كثب معاناة صديقه يمان الذي استمرت خطبته لأكثر من عامين. يقول أحمد، إن صديقه عقد خطبته على ابنة عمه قبل سفره إلى تركيا، وكان من المقرر أن يتم الزواج بعد ستة أشهر، وريثما يؤمن يمان البيت والعمل، لكن إيقاف تركيا لتأشيرة السفر وقفت عائقاً أمام إتمام زفاف تأخر لعامين، فكان الحل بعدها السفر عن طريق دخول محافظة إدلب، ثم التسلل تهريباً إلى تركيا عبر الحدود، اضطر خلالها يمان لدفع مبلغ 3000 دولار لتأمين طريق مريح وآمن لعبور خطيبته إلى تركيا، وبذلك دفع معظم ما استطاع ادخاره، وتم زواجه بلا "زفة".

اعترفت أم أحمد أخيراً بفشلها أن تقنع عروساً بالسفر، وأوكلت مهمة تزويج ابنها لأخته المقيمة في ولاية أنطاكيا التركية منذ عدة سنوات، "وتبدأ رحلة البحث الجديدة.." يقول أحمد متذكراً تفاؤله، مردداً "بلش العد التنازلي، لح نتجوز عاد" .

لم تعد مسألة إيجاد شريك الحياة أمراً سهلاً، فقد أصبحت الفتيات في تركيا أكثر (نضجاً وانفتاحاً)، ولم يعد التفكير في الارتباط هدفاً أساسياً، بحسب ما تتيح الملاحظة وأحاديث وحكايا سوريين على اتصال بالأمر، حيث أتيحت لهن فرص للتعلم وإقامة مشاريع والخوض في غمار الحياة، في مجتمع تختلف عاداته كلياً عن عادات المجتمع السوري الذي يؤمن بقاعدة "البنت لبيت زوجها".

هذا التغير كان عائقاً جديداً أمام الشباب الراغبين بالزواج... يتحدث أحمد بتهكم "بدها تكمل دراسة، لسا بكير. هذا هو الرد من أهل كل بنت راحت تخطبها اختي". البيئة المحافظة التي نشأ فيها أحمد جعلت التغيرات التي عصفت بالسوريين في تركيا فوق احتماله. وبعد محاولاته المتكررة للبحث عن شريكة، بدا أحمد مستاءً، فلم يعد يتذمر لساعات الدوام الطويلة في عمله، كما كان في السابق، ولم يعد يطلب إجازة، وسيطرت عليه فكرة تسليم المنزل وبيع أثاثه، الذي من المفترض أنه أعدّه (لمشروع الزواج)، وبدأ يخطط للانتقال إلى السكن مع مجموعة شباب، حيث يدفع تكاليف أقل، بعد أن فقد أمل الاستقرار على المدى القريب.

فكرة أحمد أصبحت قراراً، ومحاولته أصبحت ذكرى، مثل محاولة صديقه تيسير الذي استطاع أن يخطب بعد فترة من البحث، حيث وجد عائلة تقيم في ولاية تبعد عنه سفر ساعات طويلة، ولكن الخطبة استمرت لعدة أشهر كانت فيها العلاقة والمعاملة -كما روى تيسير- من أهلها جيدة إلى حد ما، وطلباتهم معقولة: "البيت والعمل الثابت وتلبيسة الدهب المتعارف عليها" .

ظلت الأمور تسير على ما يرام مدة سبعة أشهر، حتى تلقى رسالة من والد خطيبته يوضح فيها أن الذي بينهم قد انتهى، محدداً له موعد ليستلم هداياه التي جلبها لخطيبته خلال فترة خطوبتهما، دون إيضاح السبب، "الخبر نزل على رأس صاحبي كالصاعقة" قال أحمد. حاول بعدها تيسير الاتصال بخطيبته أو عائلتها لمعرفة السبب، لكن دون جدوى، حتى لجأ إلى إخبار أهله في سوريا ليستفسروا عن الأمر، وكان الرد من (أهل الخطيبة) مقتضب وغير مفهوم، "ما في نصيب".

يعتبر أحمد أن عدم تواجد أهل صديقه كان عاملاً أساسياً في إنهاء العلاقة بطريقة مؤلمة، فدور الأهل في التواصل مع أهل العروس له "ضغط كبير يمكن أن يمنع تسلطهم على الشاب المسكين الذي يقطن في الغربة وحده"، فبعد فسخ الخطوبة اعترف تيسير بأن طلبات أهل خطبته السابقة كانت مرهقة ومكلفة، ولكنه آثر التحمل، فرغبته بالزواج والاستقرار كانت تسيطر عليه، ولكنه الأن قد عزف عن فكرة الزواج، كما اقتنع أحمد بذلك أيضاً.