صقر بكرو. من قرية دير حسّان بريف إدلب. 32 عاماً. أربعة أطفالٍ صغارٌ. كفنٌ مغطىً بالدماء، وقبرٌ فيه أجمل الزنابق.
في طريقنا إلى منزله حدّثني أن خاله اتصل به من إسطنبول مقترحاً عليه أن يأخذه إلى بلجيكا. خاله تاجر "بالة". كان العرض واضحاً: سكنٌ ومصروف طعامٍ وانتقالٍ و1000 يورو شهرياً. إذا وافق صقر، سيستخرج الخال له جواز سفرٍ أوروبياً خلال أربعة أيامٍ، ويطير فوراً إلى بلجيكا. سألته: بماذا أجبته؟ قال سألت خالي: ولماذا؟ أجاب خالي إنه يخاف عليّ من الموت. قلت له: يا خالي، لقد جاءت الطائرة إلى سرمدا القريبة منّا وقصفتها فاستشهد على الفور 20 إنساناً، وعددٌ كبيرٌ من الجرحى، وأنا على جبهة الراشدين ما زلت حياً. قد أذهب إلى بلجيكا وأموت هناك بحادث سيارة. قد يسيطر عليّ الشيطان فأنزلق في معاصي الدنيا. ثم لماذا؟ فأنا هنا لديّ منزل، وكلّ فترةٍ أبني فيه ما ينقص، فماذا أفعل بالمال؟ والأهمّ أنني أبحث عن الجنة من خلال الجهاد في سبيل الله. هذا هو الفوز العظيم. بعد أسبوعٍ من هذا الحديث زُفَّ صقر شهيداً في جبهة الراشدين، منطقة عقرب.
دفن ليلاً. صباح اليوم التالي ذهبت إلى قبره مع الدكتور حسن وصديقنا إياد. شاهدنا هناك من سبقنا إلى القبر جالساً والدموع تسيل من عينيه. كان قائده وصديقه النقيب جلال الجع، من جيش المجاهدين. قال لنا: لقد سبقني. الله سبحانه وتعالى يحبّه أكثر منّي لأنه حقق أمنيته قبلي. كنا جنباً إلى جنب، فأصابته القذيفة ولم تصبني.
بعد أقلّ من ثلاثة أشهرٍ التقى جميع محبّي للثورة في بلدة الدانا لحضور زفاف النقيب جلال إلى مثواه الأخير؛ استشهد أيضاً على جبهة الراشدين، مسرعاً للقاء صديقه صقر.