داعش ترفع أسعار الخبز وأرباحها من الطحين 58 ألف دولارٍ يومياً في دير الزور

لم تنقص كميّات القمح في مخازن المؤسّسة العامة للحبوب (الصوامع) في محافظة دير الزور عن مئتي ألف طنٍّ، خلال السنوات التي تسبق الثورة. ورغم توقف تغذية هذه المخازن بمشتريات المؤسّسة منذ صيف 2012، بسبب خروج معظم الصوامع عن سيطرة النظام، ورغم الاستجرار بأشكاله وكمياته المختلفة خلال السنتين التاليتين؛ يقدّر عاملون سابقون في المؤسّسة كمية القمح التي آلت أخيراً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش بأكثر من خمسين ألف طنٍّ، تزيد قيمتها على 12.5 مليون دولارٍ وفق أسعار السوق المحلية (سعر كيلو القمح 0.2 دولار تقريباً في أسواق دير الزور).

تسيطر داعش على معظم إنتاج الطحين في المحافظة. وتقع تحت سيطرتها مجموعةٌ من المطاحن، على رأسها مطحنة الفرات الحكومية المتوقفة عن العمل نتيجة الأضرار التي لحقت بخطوط إنتاجها. واستولى التنظيم كذلك على المطاحن غير العائدة لأفرادٍ، مثل مطحنة جبهة النصرة ومطحنتي المجلس المحليّ في كلٍّ من الميادين والبوكمال. ولا يُعلم بالضبط مصير هذه المطاحن وجهوزيتها الحالية للعمل، إلا أن التنظيم يعتمد في إنتاجه للطحين على المطاحن الخاصّة التي يبلغ عددها 30، تتراوح طاقاتها الإنتاجية بين 5 إلى 15 طنٍّ يومياً. إذ يتعاقد التنظيم مع بعض هذه المطاحن لإنتاج ما يزيد على 200 طنٍّ من الدقيق يومياً، بقيمةٍ إجماليةٍ تزيد على 58 ألف دولارٍ، وفق سعر 0.29 دولاراً للكغ الواحد من الدقيق في الأسواق المحلية.
يذهب جزءٌ من هذه الكمية إلى الأفران المملوكة للتنظيم، التي تحقّق بدورها هامش ربحٍ إضافيٍّ. وجاءت خطوة التنظيم الأخيرة، برفع سعر ربطة الخبز من 100 إلى 125 ليرةً، لترفع من هذا الهامش إلى حدٍّ كبير. وبحسب أقلّ التقديرات التي يعرضها ناشطون من المحافظة، تنتج الأفران العامة التي استولى عليها التنظيم أكثر من 20 ألف ربطة خبزٍ في اليوم، هي أقلّ من خُمس الطاقة الإنتاجية لهذه الأفران قبل الثورة. وتسهم الزيادة الأخيرة في أسعار الخبز في مضاعفة المعاناة اليومية للسكان، وخاصةً مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الأخرى، مما يجعل تأمين معيشة عائلةٍ يبلغ دخلها الشهريّ 50 ألف ليرةٍ أمراً شاقاً، علماً أن هذا الدخل يعدّ عالياً بالمقارنة مع متوسّط الدخل الشهريّ العامّ. ويفسّر البعض رفع أسعار الخبز بتناقص كميات القمح المخزّنة في مستودعات التنظيم، بسبب الاستجرار اليوميّ الكبير.
ورغم إنشائه لمكتب الحبوب التابع لديوان الزراعة، لا يسعى تنظيم "الدولة الإسلامية"، بحسب سلوكه خلال موسم الحبوب في العام الفائت، إلى بناء جهازٍ خاصٍّ بهذا القطاع الحيويّ، يناظر المؤسّسة العامة للحبوب التي كانت تشتري محاصيل القمح وتتولى تخزينها وتوريدها إلى المطاحن. كما لا يسعى التنظيم إلى تقديم أيّ دعمٍ لمادّة الخبز، بل يأخذ دور المستثمر الكبير الذي ينافس مستثمرين صغاراً يعجزون عن منافسته لأنه لا ينفق أية تكاليف سوى أجور الطحن ورواتب عمّال المخابز، لتكون معظم مبيعاته للخبز أو للطحين أرباحاً. ونتيجة امتناع التنظيم عن شراء القمح من الفلاحين، سيتعرّض المخزون الواقع في حوزته –في دير الزور- إلى النفاد خلال مدّةٍ لا تزيد على العام.
خلال الأعوام السابقة، شكل الخبز واحداً من القضايا الرئيسية في حياة سكان المناطق المحرّرة في المحافظة، وكان محلّ اختبارٍ لعمل المجالس المحلية الناشئة بُعيد التحرير. وفيما عدا مجلس البوكمال المحليّ، لم ينجح أيّ مجلسٍ آخر في وضع يده على صوامع الحبوب التي وقعت تحت سيطرة قوىً عسكريةٍ مختلفةٍ بحسب تموضعها الجغرافي. وكان لجبهة النصرة النصيب الأبرز من "غنائم القمح"، باستيلائها على معظم صوامع التخزين، وخاصّةً في الموقع الرئيسيّ على بعد 10 كم شمال مدينة دير الزور، إضافةً إلى استيلائها على مطحنة الفرات الحكومية، التي تزيد طاقتها الإنتاجية على 400 طنٍّ من القمح يومياً، والتي استمرّت بالعمل بشكلٍ مضطربٍ نتيجة تفاهماتٍ خاصّةٍ مع النظام في ذلك الوقت، ما أتاح للجبهة التحكّم في الخبز والطحين. وبعد سيطرته على المحافظة، استأنف تنظيم "الدولة" هذا السلوك تحت دوافع عدّةٍ أهمّها الربح وفرض السيطرة، دون اعتبارٍ لحاجات السكان وإمكاناتهم المادية.