ينجو من دورات داعش الفلاحون ورعاة الأغنام وربات المنازل
إذا بقيت داعش لعامٍ آخر في دير الزور، سيكون جميع السكان قد تبرّأوا من ماضيهم، بخضوعهم لدورات الاستتابة.
يوماً وراء يومٍ تتسع قائمة المطالَبين بالتوبة عن ماضيهم لتشمل كلّ من خدم في الجيش أو الشرطة (متطوّعاً كان أم مجنداً تجنيداً إجبارياً)، مما يعني أغلبية السكان الذكور ممن لم تشملهم قرارات الاستتابة السابقة التي طالت فئاتٍ كثيرةً مثل العاملين السابقين في سلك التعليم –حتى لو كان العامل مستخدماً أو حارساً- وسلك القضاء، من قضاةٍ ومحامين وموظفين عاديين. وكذلك شملت قرارات الاستتابة السابقة خطباء المساجد والأئمة والمؤذنين، وكلّ من عمل بالشأن العام خلال الثورة، أو كانت له علاقةٌ بناشطٍ أو معارضٍ معروفٍ ممن يطلق عليهم عناصر داعش اختصاراً، ودون تدقيقٍ يذكر، "أعضاء الائتلاف". وتتردّد أخبارٌ عن نية داعش إجبار كلّ من يبلغ الخامسة عشرة من العمر أن يخضع لهذه الدورات. حتى الآن، يبدو الفلاحون ورعاة الأغنام، ممن لم يؤدّوا الخدمة الإلزامية في جيش الأسد أو لم يمرّوا بأية وظيفةٍ حكوميةٍ، ناجين من برنامج التوبة. وتبدو حظوظ ربات المنازل عاليةً في هذه النجاة كذلك. لكن غيرهم ستطاله التوبة الإجبارية حتماً، وبطريقةٍ ما من طرق داعش في توجيه التهم أو تصنيف الناس في دوائر الشبهات.
يحدّد الشرعيون وقتاً معيناً، بعد أو قبل إحدى الصلوات، ليكون موعداً للدرس اليوميّ الوحيد في برنامج دورات الاستتابة العادية التي يُستدعى إليها كلّ من استوفى شروط الاشتباه السابقة وليس متهماً بتهمةٍ معينة. إذ يخضع المتهمون للتحقيق أولاً، ثم لنوعٍ آخر من الدورات المغلقة التي تجرى للمحتجزين في سجون داعش، وتزيد مدتها عن مدّة الأسبوعين أو الثلاثة التي تستغرقها الدورات العادية، ويزيد عدد دروسها كذلك.
يتركّز منهاج الدورات العادية، بشكلٍ رئيسيٍّ، حول مفهوم التوحيد. ويتوسّع في شرح أنواع الشرك المختلفة. وتخصّص بعض الحصص لمفهومي النفاق والطاغوت. ولا فرق في العمر أو في درجة التعليم بين الحضور، إذ يمكن أن يتلقى خريج شريعةٍ المعلومات البدائية ذاتها التي يتلقاها شيخٌ طاعنٌ في السنّ خدم، قبل أربعين أو خمسين عاماً، في الجيش أو الشرطة، كما يتلقاها مراهقٌ لم يتجاوز الابتدائية. والمعلم غالباً شرعيٌّ مهاجر، وأحياناً أحد عناصر داعش المحليين ممن نجحوا في تعلم بعض العُدد من قواعد ومفاهيم شرعيةٍ –وفق منهج داعش طبعاً- ويعدّ شرعياً أيضاً.
يتحدث الناس، في معظم المدن والبلدات التي تقام في مساجدها دورات التوبة، عن مفارقاتٍ مثل أن يجلس مدرّسٌ متقاعدٌ أمام شابٍّ لا يتجاوز العشرين، يصغي إليه ويرفع يده قبل أن يتحدّث أمامه، ثم يخضع في نهاية الدورة لامتحانه، ومثل أن يسرع شيخٌ قارب الثمانين خطاه نحو المسجد ليكون على الموعد بعد أن نالت منه وشايةٌ بأنه كان شرطياً أو جندياً في يومٍ من الأيام، حتى لو كان هذا اليوم قبل مجيء حافظ الأسد إلى السلطة. وصار من المألوف في الأحاديث اليومية أن يسأل شخصٌ ما آخرَ عن أستاذه في دورة التوبة، وأن يعدّ بعضهم الأيام المتبقية على نهايتها، أو أن يتجادل اثنان في إمكانية أن يسافر الرجل بين مدينتين في الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش دون أن يحمل ورقة الاستتابة كواحدةٍ من الأوراق الثبوتية اللازمة على حواجز التفتيش. ويمكن، في بلدةٍ من البلدات، وقبل صلاة العصر -وهو الموعد المفضّل لدى غالبية الشرعيين للدورة- أن تشاهد مئات المتوافدين إلى أحد الجوامع، من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، وهم يحملون دفتراً أو مطبوعةً من مطبوعات داعش في التوحيد.
تتضارب التقديرات حول من خضعوا ويخضعون الآن لهذه الدورات، بين عشرة آلافٍ إلى مئة ألف، لكن المؤكّد أن هذه الأعداد ستتضاعف خلال الأشهر القادمة.